في تلك اللحظة التاريخية، شهد المغرب عملية انقلاب واسعة بعيد الاستقلال، وطفرة داروينية واضحة المعالم غير منطقية الدواعي، خاصة في الحقل السياسي، ومن أبرز معالمها، انقلاب الادوار بين التنظير والممارسة، وتحول النخبة المجاهدة الى الهامش، والنخبة المهاجرة إلى فضاءات الامتيازات، فنشأت ثقافة جديدة توازي بين مصالح الذات الفردية وبين مصالح المؤسسة، بل صارت خادمة لها وأداة فعلها واساس قوة مفاعيلها البيروقراطية المترهلة ، وكان المدخل الاقتصادي من أبرز علامات الوجود المادي للمؤسسة في الحياة العامة ، وكل السياسات العامة تدور في الأفقين التوأم : المال والسلطة ، وتم اتخاذ أدوات عدة يركن إليها النظام لأجل تأكيد المشروعية، فهو سؤال الماضي والحاضر والمستقبل ، بل هو رهان كل الاتجاهات الايديولوجية والسياسية والفكرية التي تقدم نفسها كنماذج حياة للعموم أو مقترح عمل جديد ، وعلى رأس أدواتها المستخدمة نجد الدين وبرامج الحكومة الكبرى، كالتحول والتثبت على فلاحية الدولة والشعب، ومشكل الصحراء واستخداماته المترامية الاطراف وغيرها ...
كثيرون أولئك الذين حاولوا فتح الباب السياسي فعانقت أرواحم السماء ولم يبقى لنا من وجودهم سوى أحلام نبست بها شفاههم وأخرى جالت خواطرهم فهّم بها منطوقهم لرفاق الدرب والاتجاه، نذكر بنبركة، الخطابي، المنبهي، البوصيري...الخ، ولا أحد يتحدث اليوم عن شهد الحرية الجنسية، فآخر ما يهم هو النضال لأجل الجسد بمعناه الليبيدي أو الغريزي، فذاك واقع يعيشه المغاربة طبقا لأفهامهم وتصوراتهم الحياتية، غير أن البعض يحاول التأكيد عليه، من باب الحرية الفنية والسنمائية والابداعية . لكأننا في أفغانستان مابعد الجلاء الطالباني أو العتمات الفكرية كما يحلو للبعض لفظ التوصيف .
يقول علماء الاجتماع بأن دوام حديث الناس عن مفهوم أو موضوع ما دليل على أنهم يفتقدونه، حديث الناس ليس عن الجسد والجنس ولا عن الدين والمعتقد، بل عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحكامة والنخبة الوطنية الغائبة أو المغيبة، والمصالح العليا للشعب والوطن المركونة الى الهامش، والفاعلية السياسية والحراك الاجتماعي والفكري المفضي الى التغيير والدمقرطة ... سؤال المغاربة هو سؤال مشروع حول السياسة والاقتصاد وليس الدين والجنس، والرهان الأكبر رهان فكري حول المنطلق المنتج للأدب والفن والثقافة، رهان مزدوج ببعدين : الأول تأكيد سلطة المفكرين الرمزية، والثاني تحديد أفق التداخل والتخارج بين السياسي والثقافي، وكيف يمكن للأول الممارس أو الميداني أن يكون نتاج سلطة وحركية وفاعلية المنظر أو المفكر .