قبل أن تصلنا رياح الربيع العربي التي أخرجت شباب العشرين من فبراير، كان الهولدينغ الملكي الذي يشرف على شركة أومنيوم شمال إفريقيا اأوناب قد انتبه إلى أن احتكار المواد الأساسية من زيت وسكر وحليب، لا يجب أن يستمر. وإذا كان محمد السادس هو ملك الفقراء، فالضرورة تفرض ألا يكون هو من يستفيد من مكاسب هذه المواد التي تعرف بين الفينة والأخرى ارتفاعا كلما ارتفع سعرها في السوق العالمي. لذلك بدأت خطوات التخلي عن احتكار هذه المواد لفائدة شركات أخرى قبل 2011. ولم يكن مفاجئا أن تتضمن بعض شعارات حركة العشرين من فبراير الإشارة إلى أونا والهولدينغ الملكي، من قبيل افصل المال عن السياسةب. لذلك تبدو ااوناب اليوم، بعد أن تغيرت صورتها، تلك الشركة التي تتخلى عن قطاع المواد الغذائية، دون أن تفرط في قطاعات المال والاتصالات والتوزيع والسياحة والعقار ومواد البناء والطاقة والبيئة.
لقد تأسست شركة أومنيوم شمال إفريقيا المعروفة اختصارا بـ«أونا» في عشرينيات القرن الماضي على يد المعمر «جون إيبينات»، وبالاعتماد على سلطة القائد التهامي الكلاوي، الذي كانت له سلطة مطلقة بجنوب المغرب لا تضاهيها سلطة أخرى بالبلاد، قبل أن تتحول ملكيتها تدريجيا بعد الاستقلال للأسرة الملكية من خلال رأس مالها، ومن خلال تعيين مدرائها ومسيريها بصورة مباشرة، أو عبر مجلس في إدارة ظل في مجمله صوريا، ليجعل ذلك من الأسرة الملكية إحدى أغنى الأسر الحاكمة بالعالم على الإطلاق.
لم تأت قوة الشركة ولا شساعة مجال استثمارها مع توالي الأيام من خاصية ما يميز نشاطها الاقتصادي، بقدر ما تأتى لها ذلك من طبيعة ملكيتها، وطبيعة الارتباطات التي فتحت لها، ولا تزال تفتح في السبل والإمكانات.
فليس من الهين حقا حصر حصة العائلة الملكية بمجموعة «أونا»، ولا معرفة عدد القطاعات والمجالات التي تفعل فيها مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة. وليس من الهين الوقوف بدقة عند عدد وأحجام فروعها داخل البلد. لكن الأكيد هو أن «أونا» ظلت تسيطر على جل القطاعات الحيوية، أو ذات الطبيعة الاستراتيجية، ابتداء بمجالات الفلاحة والصيد البحري، والصناعات التحويلية والمعادن. مرورا بقطاعات التوزيع والصناعات الغذائية والأنشطة المالية والمصرفية، وانتهاء بقطاع المعلومات والاتصالات، لدرجة قد لا يعثر المرء على قطاع أو مجال نشاط اقتصادي أو مالي، إلا وللمجموعة حصة ما برأس ماله، إذا لم يكن بمجمله، فعلى الأقل بمستوى حصة تمنح المجموعة سبل مراقبته، والتحكم فيه ولو عن بعد.
وعلى هذا الأساس، تفرع نشاط المجموعة وتعدد إلى درجة التشابك فيما يشبه الأخطبوط الذي تمكن بفضل موقعه، وما راكمه من أملاك، من رهن الاقتصاد الوطني وارتهانه، بل والتحكم في مفاصله الكبرى استثمارا وإنتاجا وتوزيعا واستهلاكا.
قد لا يبدو للمرء أن ثمة عيبا في أن يكون بالمغرب أو له، مجموعات اقتصادية كبرى، إذا لم تعمل على منافسة ما سواها من مجموعات كبرى أخرى إقليمية أو دولية. فعلى الأقل تساهم في نمو الاقتصاد الوطني، وإشاعة بريقه هنا وهناك. وقد لا يبدو أنه من العيب في شيء أن توسع المجموعة إياها نشاطها لأكثر من قطاع وفضاء اشتغال، فهي مقاولة والقوانين لا تمنعها من ذلك.
لكن العيب، يأتي من طبيعة علاقتها بالقصر، وتدثرها خلفه لاعتماد سلوك غير ذي طبيعة اقتصادية. أو له علاقة بمنطق المنافسة والتباري بالسوق.
إن مجموعة «أونا» بهذا المنطق إنما أضحت دولة داخل الدولة. فلا رقيب على أنشطتها ولا حسيب على سلوكها. بل ولا من يجرؤ على مساءلتها بلجان تحقيق أو بإمكانية التدقيق في حساباتها، أو في مجالات اشتغالها. فهي في السوق الخصم والحكم. ولا راد لقراراتها حتى وإن كانت مضرة بـ»الخاصية الليبيرالية» للنظام الاقتصادي الذي اعتمده المغرب منذ الاستقلال وإلى اليوم.
والدليل على ذلك، هو أن كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والتجارية حينما توجد بأدنى مستوياتها، تكون مؤشرات المجموعة في أحسن صورة لها. ومن الأمثلة على ذلك أن نسبة نمو أرباح العام 2007 ارتفعت بنسبة 80 بالمائة مقارنة بسنة 2006. إن حالة «أونا» لا تحيل فقط على التضخم الاحتكاري الذي باتت خلفه، بل ويحيل أيضا ومباشرة على تشابك العلاقة بين السياسة والسوق بالمغرب «المستقل»، كما بمغرب «العهد الجديد».
هي علاقة متوترة بكل المقاييس، ليس فقط جراء هيمنة المؤسسة الملكية عبرها، على قطاعات وأملاك ضخمة وشاسعة، ولكن أيضا لأن قواعد اللعبة غير محددة بالمرة. بل إنها تحدد من لدن مستويات دخيلة على ميكانيزمات السوق، وآليات المنافسة. وبعيدة، فضلا عن كل ذلك، عن رقابة المستوى التشريعي.
لا ينحصر الأمر عند هذا الحد. بل يتعداه عندما كانت المجموعة تعمد للتصرف في الأسعار دونما موجب حق اقتصادي، حيث ظل المواطن يكتوي جراء ذلك، قبل أن تقرر «أونا» اليوم التخلي عن جل الصناعات الغذائية لكي لا تكون طرفا في مواجهة هذا المواطن البسيط.
منطق السوق يفرض الرفع من ثمن المواد الاستهلاكية حينما يرتفع سعرها في السوق الدولية. لكن حينما يتعلق الأمر بمواد محتكرة من قبل شركة مملوكة لأعلى سلطة في البلاد، ففي الأمر إحراج كبير، خصوصا وأن محمد السادس ظل يوصف بملك الفقراء، وراهن على تصفية تركة والده الاجتماعية، وسعى لإنصاف ومصالحة المناطق المهمشة. لذلك لا يمكن أن تستقيم سياسته الاجتماعية مع احتكار الشركة المملوكة للهولدينغ الملكي للمواد التي يستهلكها غالبية المغاربة من حليب وسكر وزيت.
لقد وصل رقم معاملات الشركة لأكثر من 30 مليار درهم بمتم العام 2007 بعد أن تجاوزت أسعار منتجاتها طاقة ما يستطيعه المستهلك المتوسط بمجمل فروعها الغذائية كالحليب والخبز والسكر والزيت.
واليوم حينما نستحضر بعض محطات الانتفاضات الاجتماعية التي عرفها مغرب الحسن الثاني، لا بد أن نتوقف عند يونيو من سنة 1981 حينما انتفض السكان بعد أن قررت الحكومة الرفع من أسعار المواد الغدائية، وفي مقدمتها الزيت والسكر. وهي المواد التي كانت تحتكر تسويقها مجموعة «أونا» التابعة للهولدينغ الملكي على عهد الحسن الثاني.
قبل أن تقرر أونا التخلي عن نشاطها في قطاع المواد الغذائية لارتباطها باستهلاك بسطاء المغاربة، خصوصا وأن الأمر كان يعني مواد السكر والزيت والحليب، كانت قد عانت من منافسة شرسة قادتها الشركات السعودية التي دخلت السوق المغربية من خلال شركة «سافولا»
التي اعتمدت سياسة تكسير الأثمان من خلال عرض المنتوجات بثمن أقل من كلفتها. لذلك قامت شركة لوسيور – كريسطال وقتها بتقديم شكوى لدى المحكمة التجارية ضد العلامة التجارية «عافية» التي تسوق زيت المائدة، قالت فيها إن البيانات الواردة في تلفيف عافية، لا تعكس حقيقة المنتوج. وبالتالي فهي بمثابة تغليط للمستهلك. فحسب البيانات، فإن زيت «عافية» مستخرجة من الذرة. في حين أنه خليط من الذرة والصوجا..
لذلك فهذه الخطوات الجريئة اليوم للإنسحاب من القطاعات الاقتصادية ذات العلاقة المباشرة باستهلاك المواطنين، هي الدليل على أن الهولدينغ الملكي أدرك أنه لا يجب أن يكون الجالس على العرش هو ملك الفقراء، وهو المستفيد في نفس الآن، من كل خطوة للرفع من أسعار المواد التي يستهلكها هؤلاء الفقراء من سكر وزيت وحليب.
كيف أصبح االتجاري وفا بنكب الذراع البنكي والمالي أونا
ظلت مجموعة «أونا» تتحكم في جزء كبير من القطاع البنكي والمالي بفضل تحكمها في «التجاري وفا بنك» و»أكسا» و»أكما». فالتجاري وفا بنك يعتبر أول أكبر بنك بالمغرب العربي حاليا حيث يتوفر على أكثر من مليون زبون و450 وكالة.
أما أكسا، فتنشط في قطاع التأمينات. فيما تعتبر مجموعة «أكما» رائدة في مجال الوساطة منذ أن أبرمت شراكة مع المجموعة الأمريكية «مارس وماك ليتان».
فبمجرد ما تنازل ورثة علي الكتاني في نهاية سنة 2003 عن رأسمال شركة «صوبار»، المتحكمة في مجموعة «أومنيوم التدبير المغربي» المسيطر على أكثر من 70 في المائة من تأمينات الوفاء والمراقب لأكثر من 36 في المائة من رأسمال بنك الوفاء، لفائدة البنك التجاري المغربي تأكدت بجلاء هيمنة مجموعة «أونا» على القطاع البنكي والمالي بالمغرب.
وتمت هذه الصفقة بقيمة تجاوزت 2000 مليون درهم وبتوقيع التنازل، أعلن عن ميلاد عملاق مالي أصبح يهيمن على القطاع البنكي والمالي بالمغرب. آنذاك كان رقم معاملات بنك الوفاء يفوق 86 مليار درهم، أما رأسماله فناهز 10 مليارات من الدراهم وقروضه تجاوزت 42 مليار درهم، في حين فاقت موارده 73 مليار درهم.
وبعد ابتلاع بنك الوفاء، أصبحت مجموعة «أونا» تتوفر على قدرة كبيرة للهيمنة والتحكم في الاستثمارات وتوجيهها، ومنحتها هذه القوة موقعا تنافسيا مريحا لمواجهة الرأسمال الأجنبي الذي ظل حاضرا بقوة في كبريات البنوك بالمغرب كالبنك المغربي للتجارة الخارجية، والبنك المغربي للتجارة والصناعة، والشركة العامة للأبناك بالمغرب، ومصرف المغرب.
ويعتبر «التجاري وفا بنك»، الآن، الذراع البنكي والمالي لمجموعة «أونا».
لقد فاجأت الجميع خطوة انهيار «مملكة» عثمان بنجلون المالية، خصوصا وأن هذا الرجل كان من أبرز المقربين للمخزن بدون منازع. وكانت الضربة القاضية هي ابتلاع مجموعة بنك الوفاء التي كان يقودها من طرف مجموعة البنك التجاري المغربي.
وكانت قد سبقت هذه الضربة القاضية إشارات قوية جدا، منها تنحية عثمان بنجلون من المجلس الإداري لجامعة الأخوين، وغيابه المتكرر من مجلس مؤسسة محمد الخامس، ومن مجموعة «ماروك سوار» التي كان قد اقتناها قبل بضع سنوات.
وقد فسر البعض هذه الإجراءات بالدخول في إطار إعادة ترتيب البيت المغربي عبر تجديد العلاقات بين الدوائر الحاكمة والدوائر المالية والاقتصادية وإعادة ضبط العلاقة بين السلطة والمال.
لقد كان مسار عثمان بنجلون، يوضح بجلاء العلاقات المعقدة بين المال والسلطة بالمغرب، علما أن درجة القرب من القصر الملكي تلعب دورا حاسما لكونها كفيلة بفتح كل الأبواب الموصدة وإزاحة كل العقبات حتى ولو تطلب ذلك تجاوز القانون والدوس عليه، وهذا القرب من القصر هو الذي سمح لعائلة عثمان بنجلون أن تتحرك بالكثير من الحرية في عالم الأعمال والمال. فمنذ فجر الاستقلال تمكنت من الاستحواذ على جملة من الصفقات قدمت لها على طبق من ذهب ولعل أولها هي صفقة تزويد إدارة الأمن الوطني، التي كان على رأسها آنذاك الغزاوي، بالسيارات باعتبار أن آل بنجلون كانوا يحتكرون تمثيل الشركة السويدية «فولفو» بالمغرب، وكانت هذه الصفقة بمثابة جسر للاستفادة من صفقة تفوق الأولى حجما وأهمية وهي صفقة تزويد الجيش الملكي بالسيارات، والشاحنات، والمعدات والآليات. وأصبحت هذه الصفقة الضخمة مضمونة بعقد قران عثمان بنجلون بليلى أمزيان ابنة المارشال أمزيان. وبهذا الزواج أضحى عثمان صهر المارشال والجنرال المذبوح، رجل ثقة الملك الحسن الثاني قبل تفكيره في التخطيط لانقلاب يوليوز 1971.
وبعد المحاولتين الانقلابيتين الفاشلتين، برز عثمان بنجلون من جديد في دائرة الوساطة بخصوص تزويد الجيش الملكي بمختلف المعدات والوسائل لتحديثه. وبذلك تمكن من ترسيخ موقعه في المجال المالي وتأكد هذا الدور بتسييره للشركة الملكية للتأمين في بداية الثمانينيات، ثم وضع يده على شركة التأمين «الوطنية». كما توالت مساهماته في جملة من الشركات إلى أن أصبح على رأس إحدى أهم مجموعة مالية بالمغرب. وبإيعاز من السلطة، اقتنى مجموعة «فينانس كوم» التي قادته إلى التحكم في بعض الشركات، وإلى تنويع مجالات تدخله بما في ذلك مجال الإعلام والصحافة، حينما اقتنى ماروك سوار. لكن سرعان ما بدأ يصادف الصعوبات، حيث كانت «صفقة» ابتلاع مجموعة بنك الوفاء من طرف الدراع المالي لمجموعة «أونا» إعلانا لبداية مسلسل اندحار المملكة المالية لعائلة عثمان بنجلون ومع هذه الصفقة برزت قوة مالية جديدة تهيمن على القطاع المالي والبنكي بالمغرب، وتزداد قوتها بفعل تبعيتها لمجموعة «أونا» الخاضعة للهولدينغ الملكي «سيجير» التي كانت تتحكم في 60 في المائة من رأسمالها.
الوجه السياسي لأخطبوط أونا
على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ظلت المعارضة توجه انتقاداتها الشديدة لمجموعة «أونا» التي تصفها بالأخطبوط الذي يحتكر سوق المواد الغذائية التي يستهلكها غالبية المغاربة، على الرغم من أن المجموعة كانت متواجدة في عدة قطاعات إستراتيجية أخرى كالمعادن، ومواد البناء، والزراعة، والتوزيع والخدمات والقطاع المالي والبنكي. مع انفتاحها اليوم على مجالات نمو جديدة خصوصا السياحة والتكنولوجيا الجديدة في إطار شراكات دولية. وبذلك تنوعت أنشطة الهولدينغ الملكي داخل المغرب وخارجه.
ومن التساؤلات التي ظلت مرتبطة بمجموعة «أونا»، تلك المتعلقة بالتداخل القائم بين المجالين السياسي والاقتصادي وعلاقة هذه الإشكالية بإمكانية توليد مقاومة سياسية واقتصادية قد تتخذ أشكالا لم يسبق أن عرفها المغرب من قبل.
على الرغم من أن جل الخبراء والفاعلين الاقتصاديين يطرحون السؤال: هل تساهم اونا في تنمية ثروة الملك، أم الثروة الوطنية؟
تأسست مجموعة أومنيوم شمال إفريقيا «أونا» في منتصف عشرينيات القرن الماضي حينما قام الفرنسي «جون أبينا» بإحداثها سنة 1924 كشركة لاستغلال معادن جليجة. وكان قد اعتمد على الباشا الكلاوي لتوسيع نفوذه في جملة من مناطق المغرب. في الوقت الذي كان فيه الحسن الثاني، وهو لا يزال وقتها وليا للعهد، مسيرا لشركة «سماك» التابعة للمجموعة آنذاك.
وبعد الاستقلال، سيقوم مالك أونا الفرنسي ابينا بالاستحواذ على جل الأراضي الفلاحية التي كان يملكها المعمرون. ومن يومها، اهتم الملكالراحل الحسن الثاني بمجموعة «أونا»، ووضع يده على جزء من رأسمالها.
فمنذ ولادتها في العشرينيات بمساهمة من بنك باريس، والبلاد المنخفضة، كان الملك الراحل هو مديرها العام. وبعد الاستقلال أصبح الملك من أكبر المساهمين فيها، حيث كانت تشتغل في قطاع المناجم من ذهب وفضة، وزنك، ونحاس، وفوسفاط. كما ظلت تسيطر على قطاع التأمينات والسياحة وتركيب السيارات وقطاع النقل والقطاع العقاري.
ولم يكن الأمر ليثير الغرابة بعد أن قرر والد الحسن الثاني الملك محمد الخامس، استثمار بعض رؤوس أمواله في الخارج خاصة بإيطاليا.
وتقول برقية لوزير فرنسي إن الملك اقتنى إقامة بجانب بحيرة «لاك دوكارد»، ومتجرا كبيرا بمدينة ميلانو بمبلغ قدره 250 مليون فرنك فرنسي، وقدرت البرقية المبلغ المستثمر خارج المغرب آنذاك بما يناهز مليار فرنك فرنسي. في الوقت الذي كشفت فيه بعض المعطيات أن
ثروة السلطان كانت تقدر وقتها بما يناهز 3.5 مليارات فرنك فرنسي. وتضم عقارات وضيعات فلاحية وقصور شخصية وفيلات وأراضي. كما أضافت نفس المعطيات، أنه تم تحويل مبالغ مالية مهمة وكميات من الذهب والمجوهرات خلال سنة 1957 و 1959 و 1960 إلى أحد البنوك بسويسرا.
المخزن الاقتصادي
اشتغل عدد كبير من الدارسين للاقتصاد الوطني خصوصا من قبل معارضي نظام الحسن الثاني، على فكرة المخزن الاقتصادي في محاولة للفهم.
وكانت الخلاصة الأولى هي أن هذا المخزن يعني بدرجة كبيرة تنامي مجموعة «أونا» واقترابها الشديد من القصر، وعلاقتها الوطيدة بالملك وبالعائلة الملكية، الشيء الذي منحها شبه احتكار في جملة من المجالات. ما يعني الدور الاقتصادي المتنامي للملكية، وعدم خضوعها للقانون ولقواعد لعبة المنافسة وقواعد السوق، علما أن الخطاب الرسمي يدعي أن اقتصاد المغرب ليبرالي، في حين أن الواقع يفيد بوجود هيمنة شبه مطلقة على أغلب الأنشطة الاقتصادية بطريقة تضمن الأرباح وتسهل الاستحواذ على قيمة مضافة بدون أدنى مخاطر اعتبارا للطقوس المخزنية السائدة في هذا المجال. وفي هذا الصدد، يعتبر البعض مجموعة «أونا» آلية من آليات ترسيخ أسس الاقتصاد المخزني رغم تمظهراتها الحداثية والمتطورة.
تخضع مجموعة «أومنيوم شمال إفريقيا» «أونا» للهولدينغ الملكي وهو ما وطد موقع العائلة الملكية في النسيج الاقتصادي والمالي بالمغرب.
علما، أنه من الطبيعي، أن يتجنب القائمون على أمور الإدارات والمؤسسات العمومية، وفي مقدمتهم وزارة المالية وبنك المغرب والبورصة، أي عرقلة لإدارة مجموعة «أونا» بحكم أن تعيينهم يتم بظهير، الشيء الذي ساهم كثيرا في انتفاء شروط المنافسة، ما دام أننا أما وضع فيه من يقوم بدور الخصم والحكم ، لأن المجموعة تفرض سياستها في مأمن عن أي منافسة داخلية لأنشطته.
أخطبوط اأوناب
وصفت عدة كتابات على عهد الملك الراحل الحسن الثاني المغرب بـ «مغرب أونا»، بالنظر إلى أن «أونا» أضحت أخطبوطا اقتصاديا ضخما تمكن من السيطرة على النسيج الاقتصادي الوطني عبر تقوية موقعه في جملة من الأنشطة الصناعية .
وقد اعتبر الكثير من المحللين الاقتصاديين وقتها أن «أونا» استطاعت، بفضل المظلة السياسية، أن تحتكر العديد من القطاعات الاقتصادية والأسواق بفضل جملة من الامتيازات التي حظيت بها المجموعة. إنها الوجه البارز للمخزن الاقتصادي، بالنظر إلى أن العائلة الملكية ظلت هي أول فاعل اقتصادي، وأول مستغل فلاحي. والثروة الملكية هي من أهم الثروات بالبلاد. هذا إلى جانب السلطة السياسية. الشيء الذي يجعل منها حكما وخصما، في ذات الوقت، في إطار منظومة اقتصادية تسعى لاعتماد الاقتصاد الليبرالي، علما أن العائلة الملكية ظلت تتقوى في المجال الاقتصادي على امتداد السنوات الأخيرة، حيث ساهم هذا الموقع في تسهيل المهمة على جملة من المقربين من القصر الملكي للاستفادة من هذا الوضع.
أونا .. شركة عابرة للحدود
لم تكتف أونا بنشاطها الداخلي. لقد اختارت بعد ذلك أن توسع تواجدها خارج الحدود المغربية. فقد قامت منذ سنوات شركة «مناجم» التابعة لمجموعة «أونا» باستثمار 24 مليون دولار بغينيا الاستوائية لاستغلال مركب منجمي لاستخراج الذهب يصل إنتاجه السنوي إلى طنين (2) في السنة ويشغل أكثر من 230 غينيا وبدأ الاستغلال منذ أبريل 2002 وقد ساهم هذا الاستثمار في خلق مدينة صغيرة بجوار المنجم.
كما ساهمت المجموعة، عبر نفس شركة “مناجم” في رأسمال الشركة المنجمية الكندية “صيمافو” وذلك بنسبة 34 في المائة مع تصاعد تدريجي لهذه النسبة. وهذا ما دفعها إلى الاستثمار في منجم الذهب «سميرة هيل» بالنيجر منذ 2002 ومنجم «مانا» ببوركينافاسو سنة 2004.
أما مخطط «أونا» المستقبلي، فقد اشتغل على دراسة المهن الإستراتيجية التي سوف تضمن لها البقاء في موقع الريادة مستقبلا. وهي قطاع المناجم الذي يمثل 22 في المائة من رأسمال المجموعة..
وقطاع التوزيع والذي يمثل 16 في المائة من رأسمالها.
والقطاع المالي والبنكي والذي يمثل 30 في المائة من رأسمالها.
أما قطاع الصناعة الغذائية، فقد كان يمثل 32 في المائة من رأسمالها، قبل أن تقرر التخلي عنه لارتباطه بمواد تدخل مباشرة في استهلاك الأسر المغربية الفقيرة من سكر وزيت وحليب.
أونا تجرب حظها في قطاع الاتصالات
استطاعت الفوز بصفقة الرخصة الثالثة للهاتف الثابت
ظلت مجموعة أومنيوم شمال إفريقيا «أونا» تبحث منذ 15 سنة عن سبيل لولوج قطاع الاتصالات. لذلك سعى القائمون عليها إلى تخفيض وتيرة تحرير قطاع الاتصالات إلى حين توفر الشروط الملائمة لتمكينها من نصيبها من الكعكة.
لقد انطلقت المنافسة حادة بين «ماروك كونيكت» التابعة «لأونا»، والمجموعة المصرية «أوراسكون»، منذ سنة 1990 حينما أعلنت «أونا» عن رغبتها في الفوز بنصيب من كعكة «اتصالات المغرب» التي أسالت وقتها لعاب الكثيرين.
لقد حاولت «أونا» في البداية الاقتراب من مجموعة «فرانس تيليكوم» للتمكن من التدخل في القطاع. لكن بعد فشل المفاوضات مع الفرنسيين، كانت محاولة أخرى سنة 1998 مع المجموعة الأمريكية «أمريكان توش كومنيكايشن». إلا أنه في خضم المفاوضات تمكنت مجموعة «فودافون» من سحب البساط من تحت أقدام «أونا» بابتلاعها المجموعة الأمريكية، لذلك قررت مجموعة الهولدينغ الملكي منذ سنة 2000 الاعتماد على نفسها. لكنها ستتعرض لفشل آخر في سنة 2003 عندما تم عرض 16 في المائة من رأسمال «اتصالات المغرب» للخوصصة، حينما حاولت خلق شراكة مع بعض الجهات الأجنبية، منها المجموعة السعودية «دلة بركة»، والمجموعة الإماراتية «اتصالات» والمجموعة اللبنانية «أو. جي كروب» التي كانت في ملكية الوزير اللبناني المغتال، رفيق الحريري. لكن مرة أخرى ضاعت الفرصة من يد «أونا»، إذ فازت مجموعة «فيافندي» بالصفقة.
وفي سنة 2004، أعادت «أونا» الكرة، وحاولت التفاوض مع أحد أكبر المساهمين في رأسمال «ميديتيليكوم» لاقتناء نصيبها، لكنها فشلت مرة أخرى في مسعاها.
وبعد كل هذه الإحباطات، قررت مجموعة «أونا» تغيير إستراتيجيتها رأسا على عقب سعيا وراء الفوز بصفقة الرخصة الثالثة للهاتف الثابت. وهذه المرة اختارت الشراكة مع شريك أقل منها قوة ووزنا، وهو مجموعة «ماروك كونيكت»، لتتمكن أخيرا، وبهذه الطريقة من تحقيق فوز صغير، لكنه بالغ الأهمية اعتبارا لسعيها الطويل لولوج قطاع الاتصالات. على الرغم من أن نتائج هذه الصفقة كانت قد أثارت الكثير من الجدل بعد تأجيل الإعلان عن نتائجها، خصوصا وقد تحدث البعض على أن عرض مجموعة «أوراسكوم» المنافسة، فاق وقتها عرض غريمتها «ماروك كونيكت».
وظلت «ماروك كونيكت» تعتبر فرعا غير مباشر لمجموعة «أونا»، إذ ظل يملك بنك «التجاري وفا بنك» نحو 90 في المائة من رأسمال الشركة منذ خروج مجموعة «فرانس تيليكوم» من رأسمالها في نهاية سنة 1999 بعد أن خاب أملها في الاستفادة من تحرير قطاع الاتصالات بالمغرب، حينما فازت مجموعة «فيفاندي» بصفقة الرخصة الأولى للهاتف النقال، وكانت الرخصة الثانية من نصيب «كونسورتيوم» التي تضم شركات مغربية وإسبانية وبرتغالية، علما أن شركة «ماروك كونيكت» لم تكن لتفوز بالصفقة لولا تقديم «أونا» وثائق لإثبات التزامها بالبرنامج الاستثماري. وقد قيل وقتها إن «ماروك كونيكت» تم تأسيسها في سرية تامة، وظل ملفها محجوبا لمدة. ومن المعروف أن «أونا» سبق لها أن تفاوضت مع مجموعة «فرانس تيليكوم» لإحداث شركة للتدخل في القطاع لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل. وبعد سنوات من التردد، ولجت مجموعة «أونا» سوق الهاتف الثابت في إطار شراكة تقنية مع المكتب الوطني للكهرباء لاستعمال شبكته التي تغطي كافة التراب الوطني، وكذلك لتهييء دخولها لسوق الهاتف النقال بقوة لمواجهة منافسيها.
اليوم يبدو أن «ماروك كونيكت» ستعتمد على تكنولوجيا جديدة لتقوية موقعها في قطاع الاتصالات، وهي تقنية برهنت على نجاحها بالولايات المتحدة الأمريكية واليابان وجنوب شرق آسيا، تضمن جودة أكثر وخدمات إضافية في مجال الاتصالات اللاسلكية والهاتف المحمول، وكذلك تكنولوجيا «ويماكس» في مجال البث الإذاعي وهي تكنولوجيا تفوق «ادي سال».
أونا.. المجموعة الموجودة في كل مكان
مناجم وتوزيع وصيد بحري وصناعة السيارات
تتحكم مجموعة «أونا» في مجموعة «مناجم» المعدنية التي تنتج وتسوق خمس شركات هي شركة منجم بوعاز لاستخراج الكوبالت. وشركة منجم اميتير لاستخراج الفضة. وشركة منجم الحمام لاستخراج الفليورين. وشركة منجم غماسة لاستخراج الزنك والرصاص والنحاس. ثم شركة منجم أقا لاستخراج الذهب.
وبموازاة مع استغلال المناجم، كانت مجموعة «مناجم» قد أسست شركتين، هما «ريمينيكس» المتخصصة في الدراسات والأبحاث والاستغلال، و«تيشسوب» المتخصصة في التنقيب وأشغال باطن الأرض.
هذا بالإضافة إلى شركة المعادن «أميضر» التي تأسست سنة 1969 بمساهمة مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية ومجموعة «أونا», والتي ظل منجمها أميضر ينتج الفضة الخالصة سنويا ويوجهها نحو التصدير إلى أوروبا، خصوصا إلى كل من فرنسا وسويسرا.
وفي نهاية التسعينيات، احتج سكان المنطقة على التهميش والإقصاء رغم احتضان أرضها لثروات ظلت تستخرج دون أن يعاينوا أدنى استفادة منها، فنظم الشباب اعتصاما مفتوحا على جنبات الطريق الرئيسية القريبة من المنجم رافعين لافتات كتبت بأكثر من لغة، وكانت مطالبهم تتعلق بالحق في الشغل بالمنجم، واستفادة منطقتهم من خيراته.
ومع استمرار الاعتصام، تدخلت قوات القمع تحت جناح ظلمة الليل مما نتج عنه سقوط جرحى واعتقالات واسعة، وتوفي أحد المعتقلين بأحد المعتقلات. وهذه واحدة من الإكراهات التي تعاني منها «أونا» حيث كثيرا ما تعرض عمال شركاتها للطرد التعسفي إن هم احتجوا على ظروف العمل أو طالبوا بتحسينها والرفع من قيمة الأجور التي يتقاضونها. والحصيلة هي أن جل تلك المعارك التي خاضها عمال شركات أخطبوط «أونا» مالت فيها الكفة لصالح شركات الهولدينغ الملكي على حساب حقوق بسيطة للعمال والشغالين.
وشكل قطاع التوزيع هو الآخر واحدا من الاهتمامات الكبرى لأونا، التي أسست أربع شركات تابعة لها في قطاع التوزيع وهي «سوبريام» ومرجان و»أوبتورك» وأسيما.
فقد ظلت سوبريام هي الممثل المعتمد لسيارات بوجو وستروين بالمغرب.
أما «مرجان» فتخصصت في الأسواق الكبرى منذ 1990. وفي سنة 2001، وقعت «أونا» عقد شراكة مع مجموعة «أوشان» الفرنسية لخلق مجموعة تراقب حاليا 13 سوقا كبيرا.
وتنشط شركة «اوبتروك» في مجال تسويق المنتوجات البحرية بإفريقيا وهي شركة فرنسية حظيت «أونا» بالتحكم فيها منذ 1993. كما أنها أضحت تشتغل في مجالات الأشغال العمومية وبالفلاحة والمناجم وتمكنت من توسيع نشاطها بإفريقيا الوسطى وفي الكامرون، والكونغو، وغينيا الاستوائية، والتشاد وكذلك ساحل العاج.
واهتمت «أسيما»، مثل مرجان، بالأسواق الكبرى، بعد أن أنشأتها «أونا» بشراكة مع المجموعة الفرنسية «أوشان.
ويعرف هذا القطاع منافسة حادة بين الشركات التابعة لمجموعة «أونا» ومجموعة الشعبي كأسواق السلام، و»ايبير» و»لابيل في» لكن بشراكتها مع المجموعة الفرنسية «أوشان» تمكنت «أونا» من تقوية تموقعها في القطاع، في حين اعتمدت مجموعة الشعبي على محاولة التمييز عبر الاحتفاظ على الطابع المغربي، لاسيما برفضها تسويق الخمور بأسواق السلام.
أما في قطاع الصيد البحري، فقد نجح أخطبوط «أونا» في وضع اليد على 11 رخصة للصيد بأعالي البحار. وبذلك أصبحت شركة «مارونا» التابعة لمجموعة أونا، هي المقاولة التي تحتل موقع الصدارة في قطاع الصيد البحري بالمغرب.
وقد تمت الصفقة بما قدره 120 مليون درهم. ومن المعلوم أنه منذ ما يناهز 10 سنوات لم تسلم أي رخصة في مجال الصيد بأعالي البحار.
وفي قطاع تركيب السيارات، حرصت مجموعة «أونا» على الاهتمام مبكرا بقطاع تركيب السيارات.
فقد استقرت «رونو» بالمغرب منذ سنة 1928 عن طريق شركة «سومار» التي أصبحت تحمل اسم «رونو المغرب» منذ سنة 1967. وفي 1970، حصلت شركة «سيجير» المقاولة الملكية على 50 في المائة وفي سنة 2000، وبموافقة مع «أونا» ارتفعت مساهمة «رونو» من 50 إلى 80 في المائة في «رونو المغرب». وبذلك تحكمت في شركة «سياب» المستورد الوحيد لسيارات «نيسان» بالمغرب.
المصدر: المساء