أسا بريس : د.بوزيد الغلى
يحكى أن بدويا عاش أيامه مترحلا متتبعا القِطْر والمرابع ، وكانت له " خادم / أمة " تصحبه حيثما ظعن او انتجع ، وذات مساء حط الرحال بربوة ، واستسلم لداعي النوم ، وبينما هو يغط في نومه العميق ، أيقظته الأمَة التي تحسست حدوث زلزال ، وشعرت بالأرض تمور وتتحرك ، فصاحت : سيدي ، سيدي ، إن الأرض زلزلت ، وهي الآن تتحرك ، فرد عليها والنوم يغالبه : " دعيها تتحرك ، فسنتحرك معها ، وستأخذنا حيث سارت! ",
"تحركت" التلفزة المغربية أواسط الثمانينات ، وشغلت المشاهدين يومها بما سمي تغييرا في البرامج وطرق التواصل الرأسي مع المشاهد ، وكان لعزيز الفاضلي يومها بروحه المرحة فضلُ شدّ الاهتمام الى نشرات أحوال الطقس التي دبت فيها الحياة لما لامستها روح الدعابة والفرجة التي تسلي وتؤنس_ ولوللحظات _ الرؤوس المهمومة المكتوية بأوار الأسعار وخواء الجيوب المثقوبة ، وقد عزا وزير خبير بالاقتصاد بالحكومة " الملتحية "بعضُ وجوهها تردي الاحوال إلى الجفاف وتقلب أحوال الطقس ، قرار وقدَر!.
"التلفزة تتحرك" !، و تروي الخبر اليقين برواية ليس منها " زوجين"، وتأخذ السواد الأعظم من المشاهدين حيث شاءت ، و تجبر الرؤوس المتسمرة أمام الشاشات على الدوران معها حيث دارت ، وذاك هو لباب معركة السيطرة التي ظلت تديرها من غير منافس وسائل الإعلام الساعية في كثير من دول العالم إلى السيطرة على الجماهير كي تصدق ما يلقى إليها من أنباء ، من أجل صناعة رأي عام يؤسس لما يسمى بجماهيرية الوسائط mass media 1، أما اليوم ، فالقنوات المغربية التي توزعتها دفاتر التحملات المُمْلاة من قبل الحكومات المتعاقبة المتهافتة على التحكم في هذا القطب العمومي ، فلا تحسد على حالها ، مادامت قد أضحت مادة للسجال السياسي على خلفية الفقاعة الدعائية التي صاحبت " دفاتر الخلفي " ، وأن تسمع بالتغيير خير من أن تراه مادامت دار لبريهي على حالها ، وعيبُ الدار على من بقي فيها ....، وقد يتشفع البعض لهذه الدار التي خرجت من بابها الخلفي قبل دفاتر الخلفي قنواتٌ توْأَمتْها أو أعادت إنتاج تجربتها ، إن لم نقل يتّمت الإبداع ببُهرج مسلسلاتها التي يكفي العاقل منها عنوانها .....، فيقول : دارَ الزمان على هذه الدار ومن شغفتهُ حبّا ، فهذا الزمان غير زمانها ، وفي الفضاء بقنواته التي لا يأتي عليها العدّ مُراغم كبير وسعة...، وإذا لاح في الأفق المارد الآبق في عين كثير من الأنظمة ، حسرت عنه كل الأبواق ، فهو قناة من لا قناة له ولا قنا ، وهو بريد من لا بريد له ، وتحت ظلاله تدور حروب ضروس سرية و علنية بين أطراف متطاحنة لعل أشدها شراسة تلك تشنها طبقة كادحة مكافحة من الشبكيين أي مستعملي الانترنت " الذين أضحوا يشكلون قبائل افتراضية لمنافسة خصومهم الطبقيين ، وتمكين الجماهير العريضة في مختلف ربوع العالم من الانتفاع عن بُعد ومجانا بالمعارف والأخبار و الخدمات 2 . وخصومهم الطبقيون ليسوا أقل شراسة ولا أدنى مكرا و دهاء، فهم طبقة قوية من رأسماليي المعلومات Les INFOCAPITALISTES ،المتحكمون المالكون سلطة المعلومات بسيطرتهم على مصادرها واحتكارهم وسائل إنتاجها من محطات وقنوات وكبريات صحف ومجلات وإذاعات ... و قد يتبادر إلى الذهن أنه تم كسر هذه الهيمنة في بعض الدول خاصة العربية منها بفعل الحراك الشعبي المعروف بالربيع العربي ، لكن الحقيقة التي تغيب عن أصحاب هذا الرأي هي أن الصراع بين البرونيتانيا و خصومها المفترضين لن ينتهي بمجرد إسقاط قيادة و إحلال أخرى...، و لا أقول إسقاط نظام مادام ما جرى لم يجاوز تغيير وجوه تعد على رؤوس الأصابع ، وقطع رأس أفعى لا يعني القضاء البات على سمها الساري في الجسم، أليست الفلول المفترضة أشبه بالرؤوس السبعة للأفعى الخرافية في حكاياتنا الشعبية ؟.
لغير الآبه أن يكتفي بمقالة الأعرابي في عزّ نومه : نتحرك معها حيث سارت ، لكن ، للنابه ألا يكتفي في دنيا الثورة الرقمية بجهد المقلّ العاجز خاصة وأن ثقافتنا تزرع في ذواتنا روح المشاركة : ( زاحم ولو بعُود – اللي حضر في جماعة ما صَابْ ما تكلم ) ، ولا أقل من طرح السؤال ونحن على قارعة انتظار كنانيش السيد الخلفي بخصوص تقنين الصحافة الالكترونية ، ولا صوت يعلو فوق صوت الورقة التأطيرية لتنمية الأقاليم الجنوبية : ما مستقبل الصحف الالكترونية الصحراوية ، هل ستتحول إلى مقاولات صحفية حقيقية ، وفي حالة تقرر دعمها ما هو سقف حريتها وما حدود القول المباح لها؟، و في انتظار أن يأتينا صبح تلك الدفاتر بما فيه ، أود الإشادة بالحراك الالكتروني الذي تشهده الساحة الإعلامية الالكترونية بالصحراء التي سدت نقصا غير مكتوم في تغطية وسائل الإعلام للحدث لحظة وقوعه ، فضلا عم تحولها إلى ساحة للنقاش العالي والسافل منه ، وكل إناء ينضح بما فيه ، وقد دأبت على نشر المقالات في جريدة لكم وصحراء بريس وكذا صدى الصحراء وصحيفة بوابة الصحراء الجنوبية التي نشرت عشر حلقات من سيرة ذاتية، غيرية في صميم نصوصها ، وكل يعمل ما هو ميسر له ، ومن حسنات هذا الحراك الالكتروني الناشئ في الصحراء أنه يمثل آراء مختلفة ، ويصدر عن خطوط تحرير متباينة ، و نعت هذا الطرف أو ذاك بأدنى التّهم ينم عن انحطاط الهِمم.