» » » حراك 20 فبراير...مرض فمات




أسا بريس : ولد أسا 


ملؤوا المغرب صخبا وشغلوا الناس على مدى أسابيع عدة، كان فيها حديث الثورة والتغيير هو الغالب على جل شرائح مجتمع أثقلت كاهله سنوات الضياع الطويلة.
لكن حركة 20 فبراير، التي ولدت فجأة من رحم ربيع الثورات العربية، ما لبثت أن اختفت فجأة، ودون سابق إنذار، من المشهد السياسي الوطني ولم يبق لها من ذكر، سوى حفنة بيانات وتصريحات، تظهر هنا وهناك ، بين الفينة والأخرى
صحيح أنه منذ بداية هذه الحركة أجمع  العديد من المراقبين، أن زخم هذا الحراك الشبابي لم ولن يصل إلى درجة إسقاط النظام، كما حدث في تونس ومصر ولكن الصحيح أيضا، هو أن البعض، علق آمالا عريضة، على تلك الحركة، في دفع النظام " ولو على مضض" إلى إحداث إصلاحات، من شأنها حلحلة وضعية سياسية، أقل ما يقال عنها، إنها تعاني من احتقان مزمن..
فما هي إذن الأسباب، التي أدت إلى إجهاض حركة ال20  فبراير؟
هي عصارة عوامل عديدة، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، اجتمعت معا لتصنع التعثر تلو الآخر ، لحركة أثارت الحماس لدى الكثيرين لكنها ما لبثت أن خيبت آمالهم:
1-       إن أول أسباب فشل حركة ال20 من فبراير، هو أنها نشأت في بيئة تختلف كثيرا، عن تلك التي نشأت فيها نظيراتها في العالم العربي.
فحتى لو اختلف الشعب المغربي، حول تقييم نظامهم السياسي الحالي – والذي على رأسه توجد المؤسسة الملكية- والطريقة التي تدار فيها السلطة السياسية أمور البلاد، فإنهم لا شك متفقون، على أن هامش الحرية الذي يتمتعون به اليوم، لم يكن يحلم به أشد المتفائلين خلال 15 سنة الأخيرة.
هذه الحرية، شكلت متنفسا لكل المغاربة وحالت بالتالي دون وقوع الانفجار، الذي كان نقطة انطلاق الثورة في تونس، والتي انتقلت عدواها لاحقا إلى عدة شوارع عربية.
2-       لا شك أن تعامل النظام مع تلك الاحتجاجات، تراوح بين اللين تارة والشدة تارة أخرى، لكنه في مجمله كان معقلنا من الناحية الأمنية.
فكل الذين كان يتم اعتقالهم، كانت تلفق لهم تهم بعيدة عن النشاط السياسي ومحاولة توريطهم في قضايا الحق العام لشرعنة محاكمتهم ووقف نشاطهم النضالي، كما أن الصدامات التي حدثت بين المتظاهرين وقوات الأمن، لم تؤد إلى أحداث  خطيرة ولم ينتج عنها سقوط قتلى كثر اللهم حالات معزولة " الشهيد عبد الوهاب زيدون،الشهيد كمال العماري"، وهو أمر كان من شأنه، لو حدث، أن يؤدي إلى تأجيج الوضع، فقد علمتنا الأحداث أن الثورات تقتات على دماء شهدائها. .
علاوة على ذلك، نجح النظام إلى حد بعيد، في صرف الأنظار عن هذا الحراك الشبابي، عندما أطلق الدعوة إلى تأسيس دستور جديد رسم  له الإعلام والأحزاب أزهى الصور قبل أن نكتشف أنه لا يختلف كثيرا عن الدساتير الممنوحة التي كان يفصلها النظام المغربي على المقاس وطبقا لمتغيرات الزمان والمكان.
بعد هذا الدستور جاءت الدعوة إلى انتخابات مبكرة علق عليها الكثير من الآمال لقطف ثمار هذا الحراك ،لكن خاب ظن الكثيرين من الحزب الفائز الذي بات يوصف بأن " سارق ثورة الشباب"،كيف لا وهو لم يكن يحلم يوما بقيادته للحكومة... بل ومن فرط طول مكوثه في المعارضة نراه اليوم يسير الشأن العمومي بعقلية المعارضة بكافة تفاصيلها.
لقد كانت الرسالة، التي أراد النظام أن يوصلها من خلال هذه المقاربة السياسية، إلى كل الشباب ، هي أن الوضع مختلف طبقا للنظرية التي ظل يروج لها  النظام والمبنية على قاعدة " الإستثناء المغربي"، حيث تمنح الدولة لمواطنيها فرصا للتعبير عن آرائهم بكل حرية والمشاركة في صناعة القرار السياسي.
وكأن النظام، كان يهمس في آذان كل  هذا الحراك قائلا: لماذا تحاولون الدخول من النوافذ، مع أن كل الأبواب مشرعة !!!؟
3-       أحد الأسباب الرئيسة، التي أدت إلى إجهاض حركة ال20 من فبراير، هي درجة التسييس الكبيرة التي اصابت هذا الحراك خصوصا مع ركوب أحفاد الشيخ ياسين " حركة العدل والإحسان" لموجة الإحتجاجات رغم أن ما يفرقهم مع اليساريين الذين دعوا لهذا الحراك أكثر مما يجمعهم، فعكس الشباب الذي خرج في تونس ومصر وليبيا واليمن  الذين كانت تحركاتهم مبنية على إحتياجات المجتمع والشعب دون دوافع إيديولوجية أو سياسية ،كان قيادات حركة 20 فبراير ، مسيسة من أخمص قدميها إلى رأسها.
وهذا ما عكسته خلافات آخر أيام هذا الحراك ، حيث حاولت قيادات شبابية لها انتماءات سياسية معروفة خصوصا من الإسلاميين، أن تهيمن على هذا الحراك، سواء من خلال الخطابات أو إصدار البيانات أو رفع شعارات إيديولوجية بدل مطالب إجتماعية أو سياسية واضحة،  وهو أمر جعل حماس العديد من الشباب المشاركين يخيب بعدما ساورتهم الشكوك حول الأهداف الحقيقية للحركة.
هذه الخلافات ظهرت أيضا، من خلال الشعارات التي رفعتها الحركة في آواخر عمرها ، ففي حين أصر البعض أن تكون تلك الشعارات اجتماعية، وأن تطالب بحل مشكل بطالة الشباب وتهميشهم، وتركز على ضرورة محاربة الفقر وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين وخفض الأسعار، أراد البعض الآخر، أن يجر العربة في الاتجاه السياسي المعاكس، فرفع شعارات تطالب تارة " بخلافة إسلامية" وتارة ب" أسلمة الدولة"، وهو ما سبب شرخا كبيرا بين القوى الشبابية المشاركة في الحركة.
4-       إضافة إلى تلك العوامل الداخلية، هناك على الأقل عامل خارجي واحد ولو أنه لا يصل لدرجة التأثير المباشر، ساهم هو الآخر في إجهاض هذه الحركة ويتمثل في المسار الذي اتخذته أحداث الثورة في ليبيا واليمن وسورية.
فقد بات واضحا للجميع أن الثورة ليست مجرد نزهة  سياحية قصيرة، يتنحى في ختامها الرئيس ويحتفل الشعب بتحطم الأغلال، بل قد تتخذ مسارا آخر يهدد الوحدة الوطنية والحوزة الترابية ويضع مستقبل الشعوب في مهب الريح.وبالتالي أصبح الكل طامعا فقط في الأمن والأمان بعد رؤية الدماء تسيل يوما بعد الآخر في الدول الأخرى.
وكأن التاريخ يعيد نفسه، فكما توقف ربيع الثورات في أوربا الشرقية في ساحة "تيان أمان" في العاصمة الصينية بكين، ها هي طرابلس وصنعاء ودمشق، تعيد صقل وصياغة ربيع الثورات العربية، فتجعله يتخذ مسارا آخر، مؤداه أنه على الأنظمة إعادة ترتيب أوراقها قبل فوات الأوان.
باختصار يمكن القول إن حركة 20 من فبراير فقدت الكثير من جذوتها ، لكن هذا لا يعني البتة أن الشعلة انطفأت نهائيا، بل ما زالت هناك بقية من الجمر تحت الرماد،ينتظر فقط ريحا خفيفة او عاتية حسب الظروف والمتغيرات.
ولذا فإن النظام المغربي، مطالب بإعادة النظر في مسائل كثيرة وفي مقدمتها الجبهة الاجتماعية، التي أهملت كثيرا خلال الفترة الماضية وتتواصل مع الحكومة الحالية التي تراجعت عن عدة مكتسبات تحققت في ظل الحكومات السابقة بل و ونهجت طريق التمادي في إرهاق كاهل المواطن باتخاذ قرارات غير شعبية عبر الزيادات في أثمنة المواد الأساسية و البنزين والكهرباء ، وهذا الأمر لن يمر مرور الكرام على الشعب المقهور رغم أن أولى إرهاصات عدم الرضى والتذمر بدأت تلوح في الأفق في مجموعة من المدن كمراكش والجسيمة والدار البيضاء...دون أن نغفل حراك جل مدن الصحراء رغم أنها مجال يتداخل فيه بشكل أساسي المعطى السياسي المرتبط  بقضية الصحراء.
ففي زمن الثورات الدامي ،يحتاج البلد إلى ثورة ناعم يمتلك فيها صانعو القرار السياسي الشجاعة والقدرة على تفهم إحتياجات الشعب البسيط بعدما خاب ظنها في آخر الأحزاب التي كان الجميع مغبونا في صورتها الحقيقية ...

كاتب المقال Unknown

حول كاتب المقال : قريبا
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

دع تعليقك