» » » قصة قصيرة : أصل الحكاية

أسا بريس : مصطفى عبد الدايم
كانت عيناه رغم الظلام تبحث  عن المخرج ..
الأبواب موصدة ولا نوافذ قد يستأنس منها قبسا من نور يذهب عن قلبه الخوف من مصير مجهول لاحت تباشيره منذ زمجر الليل بآلام وأوجاع جماعية ..
 في ظلام لو مد يده تقطع ، كانت روائح أدخنة خانقة تفوح من حرائق خيل إليه أنها تناثرت بغير انتظام ..
 ذاكرته التي أريد لها  تحت ويلات هذا الليل أن تنكمش ، تزداد اتساعا وشساعة .. هي الآن تزمجر كالريح :
ويحكم .. ويحكم .. ويحكم
 هل تحتمون من الليل بوهم المنام ؟
وهل تجيزون الخرس بوهم الكلام ؟
بقدمين متوجستين راهن على ثبات الأرض ، وبهما كان يدرأ المنحدرات ، لم يغازل النتوءات تدمي يديه .. مضى في بحثه عن نور يمتص هذا الظلام المتسلط  .. كان في سعيه كالنمل يرتجف في خط سيره من صوت القهر القاتل ، لم يكن قبل اليوم يعتقد في تشابه المصائر .
ليس فوق رأسه الطير ..
والطير لا تأكل فوق رأسه خبزا ..
الطير تنشده قصيدة خمرية وتشيد قوافيها على موانئ الموت ومنافيها ..
و لأنه في رحم هذا الليل المكثف الظلمات يعرف أن الطير تسكن أعشاش المعنى ، وأن الشعر يعلمه الشك . عرف أصل الحكاية ..
وهاك أصل الحكاية التي ابتدأت برجل واحد لبس فكرة ، وصدح بالمعنى ، وركب المغامرة لينتهي شعبا حج نحوه عبر كل الفجاج .. كانت الرحلة غارقة في تيه الحرية ، ومكتظة بسيل من المشاعر المتضاربة بين الحزن على من أكلتهم النار والاغتراب والفرقة ، وبين الزهو الذي يسكن الذات المتعطشة لمعانقة الدفء والضوء والحر وشساعة المكان دون الارتهان لفضاء مصطنع كاذب يخطف منها حرية الرقص تحت ألوان الضوء والظل .
ولكن الحكاية لم تبلغ غايتها .. لم تمنع أن تبكي الأغنية .. أن تصرخ :
عجبت لك يا وطني وبعضك يغمس اللقمة في الدم والدموع .. يستأنس بالوجع ويجتر الألم .. بينما بعضك الآخر يحرم على قدميه أن تتأذى من لمس اليابسة ، ويمنح المتع كل المتع فرصا عديدة ومتعددة لتجتاحه ، لتبدد كل أجواء الحرمان من سمائه ...
عجبت لك يا وطني تردد الأغنية متحسرة .. عجبت لك  ياوطني  وبعضك عصي على النكوص ، يأكل الحصى ، ويلحس الرحى ..بينما بعضك الآخر تركع تحت قدميه النعائم .. ويفتض كل يوم بكارة الأيام الجميلة عبر عواصم المتعة .
الحكاية تكتبني ، وأوجاعها شردتني .. وفي ظلام الليل علينا أن نفتح أعيننا نلتمس نورا يهدينا السبيل .

كاتب المقال Unknown

حول كاتب المقال : قريبا
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم
التعليقات
0 التعليقات