» » أثير الكراهية في أنتلجينسيا "الحمّالة"و "صحراوى الخانزين"

محمد سالم الزاوي
لا ينكر إلا الجاحدون ممن عاشوا وعايشوا الاجيال الثلاثة الاخيرة من القرن الماضي بالمدن الصحراوية أن هناك ألقابا كانت سائدة بين ثقافتين مختلفتين هما ثقافتي الشمال والجنوب ، حيث كان التراشق على اشده عند كل تماس كهربائي بين الثقافتين فهؤلاء يٌنعتون ب"صحراوى لخانزين" و"الرعاة" نظرا لآثار البداوة البادية عليهم آنذاك وهم ينعتون الاخرين الوافدين الجدد ب "الحمّالة" أو "العرق الديخن" للزومهم حمل اثقالهم على اكتافهم فلم يستقروا بعد انذاك ولسحنتهم المختلفة عن المعتاد في المنطقة فكان ان ترسخت التسميات واخذت مآخذ مقاصدية ابعد واعمق من اصل التسمية فالبدويين قد تمدنوا، و الوافدين قد وضعوا اثقالهم ، واستقروا وقروا عينا بالمكان ، لكن التسميات لا تزال قائمة في معجم الشارع الصحراوي الى يومنا هذا فيما يشبه أنها "أنتليجينسيا" تنتشر بيننا بشكل مهول ، وهذا ما لا يستطيع احد نكرانه الا من يريد التغريد خارج السرب كما هي عادة بعض الافواه و الاقلام التي تترك الواقع وتحلق نحو الخيال صابغين الواقع بألوان أحد الثقافتين، لأنهم لا يرغبون في حل جذري لمشاكل المنطقة ، ولعل ذلك يبين أهمية التطرق الى هذا الموضوع على اعتباره من مخرجات سياسية واجتماعية وتربوية ومن المؤشرات التي يمكننا قراءة الوضع عن طريقها والوقوف على الواقع كماهو بلا محسنات أو مقبحات ايديولوجية ولعلنا نحاول منع التماس الكهربائي او على الاقل تحويله الى باطن الارض وليس خارجها كما هو حال أسلاكه بمدننا اليوم عبر زرع محوّل لطمس فتنه عنا. فالتاريخ التطاحني غير المكتوب والتوتر الإجتماعي المكتوم هما سمتان بارزتان سيلاحظهما المتتبع لكرونولوجيا التعايش بين ثقافتين لم يشأ لهما ان يندمجا وينسجما رغم الزمن ورغم الحلول التي تأتي بين الفينة والاخرى من طرف الدولة او من طرف (الطليعة) الصحراوية ، رغم ذلك وغيره فكلما حاولا ذلك يقع التماس الكهربائي بينهما وتقوم الدنيا ولا تقعد وتتأجج الحميات وتعلو اصوات الالقاب ( يا الحمال .... يا الصحراوي الخانز .............)، فالموضوع هو أصل الخلاف والإختلاف وهو مربط ناقة البسوس في المنطقة ، فالتعايش لم يكن يوما موجودا رغم ما يدعيه انصار الوحدة من وحدة المصير والمشتركات الوطنية وما يدعيه بعضهم من تاريخ المنطقة ، ونحن اذ نثير هذا الموضوع لا نريد صب الزيت على النار زيادة في فتنة ناعسة (والنعاس هومرحلة زمنية بين اليقظة والمنام ) بقدر ما نريد وضع النقاط على الحروف ومسح الضبابية التي تتلبد يوما بعد يوم في مرآة مجتمع لا نملك غير العيش فيه لغياب البديل ، ومن جهة أخرى لكي نقرأ واقعنا من منظور اجتماعي بعيدا عن السياسة رغم ان دنس الاخيرة وهي احد اسباب هذا التنافر بل من أبرز مسبباته ، ثم نرى الامور بالشكل الذي يخول لنا معرفة مكامن الخلل فيه ومحاولة اصلاحها ولو على الورق وذلك اضعف التفكير، فمهما كان الاختلاف السياسي بين الثقافتين فإن المشترك الاسلامي يكفينا كداعي للبحث وكمحفز لايجاد حل.
ان أي غريب عن المنطقة سيمكنه استنتاج التنافر والتباعد بين الثقافتين في أقل من يوم واحد من مكوثه ، ويمكنه ان يشتم رائحة أثار التماس الكهربائي الذي يحدث بين الفينة والاخرى بينهما ، وسيلاحظ عدم الثقة بين الطرفين اينما حل وارتحل سيجدها في الشارع في سحنات المارة على جادة الطريق وأركان المقهى إذ كلٌ وزاويته كما سيتلمس شرارتها في الادارة وحساسية المواقف والقرارات وداخل سياراة الأجرة في نبرة الركاب وأنفعالاتهم الحادة. وفي الرياضة في غياب روحها واحيانا في المنزل الواحد تجدها في الاصرار على اعداد الشاي كل وطريقته والأدهى والأدهى من ذلك في رائحة الدم المسفوك على جنبات الثقافتين ولنا في فتنة "الوكالة" بالداخلة ما يغنينا عن كل توصيف... ليتساءل هذا الوافد عن السبب وغالبا ما لا يجد اجابة كافية شافية وسيذهب وهو متأكد من وجود التماس الكهربائي وتصاعد دخانه بين الفينة والاخرى ولعل المتتبع سيلاحظ العناد الغريب في الاصرار على التعايش بقيم الكراهية المدفونة بين الطرفين وبالنفاق الاجتماعي الصابغ للحياة اليومية وهنا نطرح التساؤل التالي ما الذي يجعل ثقافات مختلفة في مختلف انحاء العالم تتعايش بشكل مرن وتحقق النجاح المطلوب في بناء المجتمع المنشود دون هاتين الثقافتين ؟ لا يخفى على الدارسين لعلم الاجتماع ان معظم الثقافات المعاصرة هي مزيج ثقافي متنوع متناغم كما هو الحال في بلدان مختلفة من العالم ، ولا نبتعد كثيرا فهؤلاء الامازيغيين الذين احتضنوا العرب والاسلام عند قدومهم الى ارضهم لم يبدوا تنافرا ولا تعصبا رغم الشوائب التي يبديها ضدهم من يظن انه يملك مفاتيح الاسلام بيده ، واذا ما ذهبنا في مقاربة عمودية سنجد ان الولايات المتحدة الامريكية مثلا عندمنا توحدت كانت ترسم لوحة فسيفسائية من مزيج الثقافات ومن مختلف القارات وهذا واضح في تقدم الدولة وترأسها للعصر اقتصاديا وسياسيا وتكنولوجيا ، لكن ينبغي ان نضع في الاعتبار النمط السائد في الصحراء على اعتبار انها مرت بمراحل مختلفة وحرقت مراحل اخرى من النزوع نحو المدنية المنشودة وهذا ما تم فرضه عليها من قبل المتغيرات التي شهدتها المنطقة والعالم في مرحلة سابقة و بتتبعي وتأملي المتواضع وبحكم اني من ضحايا التماس الكهربائي بين الثقافتين ارى ان من بين اهم اسبابه "
 : 1 الإطراب في الهوية :
أ‌_عدم وضوح الرؤية السياسية : معروف أن أي توتر سياسي في اي منطقة ينعكس سلبا على الاوضاع الاجتماعية ، خاصة اذا كان التوتر بين رؤيتين سياسيتين لثقافتين مختلفتين وهو أمر نراه جليا في المنطقة نتج عنه اختلاف قد يظهر وقد يبطن ومن مظاهره هذه التسميات والالقاب التاريخية بين الثقافتين والتي تدل على ان الاستقرار النفسي ليس كما يوصف في وسائل الاعلام المحلية والدولية ، فقلما تجد تلك الطمأنينة بين الطرفين.
 ب_وجود طرحين سياسين بارزين و متنافرين لمشكل الصحراء الغربية : بما أن القضية الاكثر استئثارا باهتمام الساكنة. وهما طرح الوحدة الترابية والذي يتبناه المغاربة القادمين مع المسيرة الخضراء والذين استقروا في المنطقة منذاك الوقت زد عليهم المستفيدين من سياسة الريع وتجار الحروب وأتباعهم وغالبا ما تكون القضية ذات ابعاد قبلية محضة، أما الطرح الاخر فهو طرح الانفصال أو حلم "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" التي ارتأت في بداية السبعينات تشكيل رؤية سياسية للمنطقة كانت هي الاولى في تاريخها ليتبناها مجمل القاطنين بمخيمات تيندوف وكذا من طرف المتبنين للطرح والذين يؤججون غالبا الإضطرابات المطالبة بالحل الإنفصالي عن المغرب في الصحراء والمتكونين أساسا من طبقة المثقفين والمطلعين على تاريخ المنطقة زد عليهم الساخطين على الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية وغالبا ما يكون اللجوء الى تأجيج تلك الإضطرابات الداعمة للرؤية الإنفصالية هو ردة فعل للانتقام من سياسة تدبير خاطئة وهذه النقطة بما لها من الحساسية تدعم وتقوي عدم الثقة بين الطرفين لخلق الانسجام المنشود في المجتمع ، فأصحاب الوحدة يعيشون داخل المجتمع بمقاس ومقياس الوحدة بينما يعيش اصحاب الانفصال بنظرة الانفصال التي ترى في الاخرين غرباء ومستوطنين استعماريين جاثمين على حاضرهم ومستقبلهم .
 2_ تنافر الثقافتين وتباينهما  ذلك ان ثقافة الوافدين الجدد المبنية على المدنية الحديثة وما يطغى عليها من علائق افقية مبنية على المصالح الدنيوية لم تدهش البدويين المتمسكين بالسماء وبالرجاء فكان ان تنافرت الثقافتين وتباينت وترسخ ذلك مع مرور الوقت حين بدأ التماس الكهربائي يتعدد وبدأت تظهر أخطار ما جاء به الوافد الجديد على مقدسات البدوي وعاداته وتقاليده المبنية أساسا على المقدس الديني.
3_الجانب التعليمي : يعتبر التعليم في المنطقة من اهم اسباب تكريس الكراهية ، ذلك ان التعليم لم يستطع بما له من دور بارز في التربية من ايجاد حل للتخلص من معضلة التوتر الاجتماعي الحاصل او تقزيمه ، فالتعليم في المنطقة كان تعليما اسبانيا ولو لم يدم فترة طويلة وقد كرس هذا التعليم الثقافة الغربية وكرس ايضا النزعة الصحراوية بما لها من خصوصية في المنطقة ، وبعد خروج الاسبان دخل التعليم المغربي الذي كان همه الوحيد ترويض الصحراوي وتأطير ثقافته الوطنية . وهو امر لم يتم بالشكل المطلوب لتعنت الحصان البدوي على الترويض والتآلف مع أيائل الاطلس فكان ان تم التخلي عن هذه السياسية والتوجه الى تكريس سياسية الامر الواقع وتم تجنيد كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لذلك.
في الختام لا يسعني إلا القول أن أنتليجنسيا "الحمالة" و "صحراوى وما بعدها" باتت من أخطر المهيجات العرقية التي تستمد غذائها من المشكل السياسي بالصحراء وما يليه من مرطبات الإعلام التابع لطرفي النزاع حيث تتموقع كل ثقافة مع الطرف الذي تقاسمه المشتركات التاريخية والثقافية والعرقية وعلى ذلك تتم التجاذبات بين الأطراف دون الإلتفات الى القواسم الدينية ما دام العوام من الطرفين مخدرين بتراكمات السياسة والنزاع. ودون حلول في الأفق فتداعيات هذا المشكل سيكون لها أبعاد خطيرة تمتد الى ما بعد الحل النهائي في قضية الصحراء.
الصحراء الآن

كاتب المقال Unknown

حول كاتب المقال : قريبا
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

دع تعليقك