» » » » المجازون الصحراويون ....وتستمر المعاناة


أسا بريس : عالي جدي 

قد يكون اشد شيء وطأة على قلب الإنسان أن يعيش على حلم كبير وأمال عريضة ردحا من الزمن وفي يوم من الأيام يجد تلك الأحلام قد تحطمت وتلك الآمال قد تلاشت فيصبح مثل ذلك الذي كان يمشي في زقاق طويل مسدود في اخره.
قبل شهرين دخل المجازون الصحراويون من داخل أسا والزاك وعوينة ايتوسى في معتصم مفتوح لتستمر معاناتهم في قالب أخر .لن نتحدث هنا عن معاناتهم الأولى أيام الدراسة الابتدائية فلا يخفى ذلك الواقع على احد .أما الدراسة الإعدادية والثانوية فحدث ولا حرج , أقسام متهرئة , اكتضاض لن تشهد له مثيلا حتى في أكثر البقاع فقرا على الأرض. أما الأطر فحنانيك يا ربي, وبالرغم من كل ذلك حصلنا على شهادة الباكالوريا وما أدراك ما شهادة الباكالوريا ثم ذهبنا إلى الجامعة لنشاهد بعين اليقين ما كنا نمني به أنفسنا .
أول شئ لاحظناه أن ما يسمونه ب(الأقاليم الجنوبية) التي تشكل نصف خارطة البلاد كما يدعون لا تحتضن ولا جامعة واحدة .في مقابل آن الجامعات بشمال المملكة لا تكاد تبتعد عن بعضها البعض سوى بعشرات الكيلومترات ... المسافة بين اكادير والداخلة تتجاوز ألف ومائة كيلومتر بينها ثمان مدن ليس في إحداها ولا جامعة واحدة ... مفارقة عجيبة تطرح أكثر من سؤال.
بالرغم من ذالك صبرنا وابتلعنا غصة أصابتنا من هول هذا الواقع في مغرب القرن الواحد والعشرين في مغرب الحق والقانون والديمقراطية في مغرب الحريات وتكافؤ الفرص في مغرب التنمية البشرية ... يا لها من شعارات طنانة براقة ᴉᴉ
عندما كنا نسمع بالجامعات كان أول ما يتبادر لنا هو مدرجات كبيرة واسعة وأساتذة أكفاء في المستوى وإدارة قريبة من الطالب وتصحيح امتحانات نزيه وشفاف ومصداقي، ولكن كل ما كنا نحلم به ارتطم بجدار واقع آخر موبوء بالتناقضات، مدرجات تحمل من الطلبة ما يحمله ملعب مراكش من الجماهير في مباراة بين المغرب والجزائر، أما الأساتذة فنواذرهم أصبحت تبكي أكثر مما تضحك، منهم من قال بأن "محمد أركون" لم يكتب يوما في "العلمانية" ومنهم من قال بأن لا أحد يتقن اللغة الفرنسية في المغرب إلا أنا و"الحسن الثاني" ومنهم من يصدمك في أول حصة بأن 500 صفر في النتيجة النهائية مسألة حتمية وكأنه اطلع على مستوى الطلبة من النظرة الأولى، ومنهم من ينافس المراهقين في الحصول على أرقام الفتيات والقائمة أطول من ما تتصورون، لم أكن لأصدق هذا إلا أني سمعت ورأيت بأم عيني، لن أناقش أسمائهم فالعقول الصغيرة هي من تناقش الأشخاص.
أما التصحيح فلا حول ولا قوة إلا بالله والله لن أتحدث في هذا الموضوع لأن تفسير الواضحات من المفضحات...
حصلنا على الإجازة والله شاهد على مقدار ما بذلناه من جهد، وما رافق ذلك من أشد أنواع المعاناة: سفر طويل وبحث عن السكن وأيام من الجوع وصراعات مجانية ونضال ضد المقتاتين على دماء الفقراء ووووو.... والتحقنا بمداشرنا وكلنا أمل وترقب في الحصول على مكتسب حصنه رفاقنا سلفا عبر نضال مرير وسجون واستشهاد وهو مكتسب بطائق التعويض عن الشغل.
كان من المفترض أن ندمج في بداية هذه السنة كما تعودنا على ذلك لكن لا بارقة أمل تلوح في الأفق المدلهم، فقررنا الدخول في معتصم مفتوح في مستهل شهر فبراير، واستمر مسلسل النضال والصمود تخللته مسيرات حاشدة وحلقيات يومية من داخل مدشر أسا ومن داخل الزاك وكذلك من داخل قرية عوينة ايتوسى، هذا إلى جانب مبيتات ليلية في العراء حيث منعتنا قوات القمع من بناء الخيام لنرد بها الزمهرير القارس ليلا والشمس الحارة نهارا كما علمونا في الجغرافيا، بل باتت تشكل الخيمة كرمز للهوية الصحراوية مصدر رعب بل قال لنا أحد المسؤولون أثناء حوار بيننا وبينه أن الخيمة تساوي كلاشينكوف وتساوي الإرهاب، أف لزمن أصبحت فيه رموز الثقافة إرهابا...
وبالرغم من كل ذلك أيضا استمر نضالنا السلمي في أرقى أشكاله وأبهى حلله، وصمدنا رجالا ونساءا ولن أنسى الدور الذي تلعبه المرأة الصحراوية قوام التحدي والصمود في النهوض بمسلسل العطاء، وفي ليلة من الليالي ونحن نيام في العراء حوالي الثانية صباحا تفاجئنا بتدخل همجي لقوات القمع ليفرق المبيت الليلي بالقوة بعد ما عجز عن تدمير نضالنا السلمي، لكن صوت الحق يعلى ولا يعلى عليه، فوعيا منا بضرورة استمرار مسلسل النضال لم ندخل في مواجهة مع جحافل البوليس رغم كلل الاستفزازات التي استفزونا بها من سب ومطاردة بالسيارات السريعة في الساحة التي نحن معتصمون فيها وغير ذلك، فرجعت قوات القمع تجر أذيال الفشل وانتصرنا عليهم ليزداد عدد المتعاطفين مع ملفنا العادل والمشروع.
دخل شهر أبريل.. كان من المفترض أن يكون شهر كذبة واحدة لكن الجهات المسؤولة أمطرتنا بوابل من الكذب والتسويفات تطبييقا لسياسة التماطل والآذان الصماء واللامبالاة التي عهدناها لدى الحكومات المغربية المتعاقبة والتي ترسخت مع الحكومة الحالية.
لم نقف بدورنا مكتوفي الأيدي بل دخلنا في إضرابات عن الطعام كان آخرها في 29 مارس والذي استمر 48 ساعة ولا زلنا مستعدين لإضرابات مفتوحة عن الطعام بل نخطط للتخلي عن البطائق الوطنية في حال استمرار تعنت الجهات المسؤولة.
في الحقيقة لقد تعبت أناملي من الكتابة، والواقع مر مرير لن أستطيع وصفه بالكلمات، إلا أني أحيي الرفاق المرابطين على الزناد من داخل أسا والزاك واعوينة ايتوسى وكافة المداشر الصحراوية والمواقع الجامعية، وادعوهم للتشبت بالنضال رغم كيد الكائدين، ودمتم للنضال صامدين ومناضلين. وما ضاع حق ورائه مطالب.

كاتب المقال Unknown

حول كاتب المقال : قريبا
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

دع تعليقك