الصحراء الآن:إبراهيم أفروخ/آسا
اختتمت يوم السبت أشغال الندوة الأولى حول الحسانية، التي نظمها مركز الدراسات والأبحاث "مشاريع" بمعية جمعية الباحثين الشباب للدراسات والأبحاث الصحراوية، والتي امتدت على مدى يومي 23 و24 دجنبر 2011 بإقليم أسا وأعطى الانطلاقة لأشغالها عامل الإقليم إبراهيم ابوزيد مرفوقا برؤساء المصالح الخارجية والمنتخبين وبرلماني الإقليم ووسائل إعلام سمعية وبصرية ومكتوبة والكترونية، وتناولت موضوع الحسانية بين الواقع الشفهي والبحث العلمي، بحضور مجموعة من المتخصصين والأساتذة والباحثين من جامعات وجدة، فاس، مراكش ومن الأقاليم الصحراوية، وأثيرت خلال الندوة مداخلات علمية قيمة تخص اللهجة الحسانية، تركيبية ودلالية وتداولية، وعالجت نماذج لغوية، كالزي الصحراوي مثلا، وبعض الوسائل التي يستعملها الإنسان الصحراوي في حياته اليومية منها الأواني الضرورية في الخيمة "مسكن الصحراوي"، وخلال هذه الندوة تمت الدعوة إلى الاهتمام بالحسانية في الدراسات العلمية والبحث الاكاديمي، مع ضرورة أن تكون في صلب انشغالات الجامعة. وقد جاء مشروع أشغال هذه الندوة حول اللهجة الحسانية في سياق الاعتراف الدستوري الجديد بها كموروث له امتداد تاريخي داخل المجتمع الصحراوي، وكذالك من أجل فتح النقاش وتعميق البحث الأكاديمي على إحدى اللهجات الهامة بالمغرب والمغرب العربي، التي ظلت إلى وقت قريب بعيدة عن الاهتمام، ونظمت هذه الندوة كذلك من أجل التعريف بأهمية الاعتناء باللهجة الحسانية وبمجال تداولها الجغرافي، وأهم خصائصها اللسانية وصلتها بباقي اللهجات العربية وغيرها، فضلا عن إبراز بعض القضايا اللغوية التي تطرحها. ومساءلة جانب من الجهود الدراسية في هذا الباب، وفي مقدمتها الدراسات الكولونيالية مع ريني باسي (René Basset) ومشروعي المستعربة كاترين تين الشيخ (Catherine Tain Cheikh ) وإسماعيل ولد محمد يحظيه المعجمين حول اللهجة الحسانية. وقدم المجتمعون تصورا حول أشغال هذه الندوة من خلال العناصر التالية الحسانية من الواقع الشفهي إلى الفعل الدراسي وكان الهدف من هذه الندوة تحقيق مجموعة من المرامي والأهداف، أبرزها توجيه الدرس الأكاديمي نحو الإهتمام باللهجة الحسانية وتعميق البحث اللساني حولها بما من شأنه الكشف عن كل القوانين والمعايير الإجتماعية التي تحدد السلوك اللغوي داخل مجال البيظان أو مجال اللهجة الحسانية، تقديم عمل دراسي علمي دقيق ومتخصص حول اللهجة الحسانية يلامس ماهيتها وخصائصها اللسانية، وبعض مستوياتها الصوتية والمعجمية والتركيبية والدلالية المميزة، لسد النقص الدراسي الحاصل حولها تم تحديد مجال (جغرافية) الحسانية وصفاتها اللغوية، وكل العادات الكلامية المؤلفة لإستقلاليتها عن باقي اللهجات والألسن، وإعداد بيبلوغرافيا جامعة لأهم الدراسات والأبحاث التي أنجزت حول اللهجة الحسانية، وتقييم حصيلة بعض الجهود منها من أجل بلورة أدق المقاربات الدراسية الممكنة لدراسة اللهجة الحسانية بدء من قضية الرسم (الكتابة) وحتى الوصف.
الدراسة اللسانية الدقيقة والناجعة تتبع وترصد مساهمة الباحثين والدارسين حول اللهجة الحسانية على إختلاف مستوياتهم وإنتماءاتهم لإبراز أهم المرجعيات والخلفيات التي تحكمت في توجيه أبحاثهم بهذا الخصوص.
وتم خلال هذه الندوة مناقشة محاور رئيسية، وإثارة مجموعة من المواضيع المرتبطة باللهجة الحسانية، وذلك من خلال تركيز الإشتغال العلمي على المحاور، والبحث في أصول اللهجة ومجال تداولها وأهم روافدها، وذلك بغية الوقوف على أصل التسمية وأهم الإشكاليات المعرفية التي أحاطت بها، وتحديد هويتها اللغوية، حتى يتسنى قطع دابر الإلتباس حول ما إذا كانت لهجة أم لغة أم كلاما؟ فضلا عن تدقيق تاريخ ظهورها وامتدادها وأهم الإعتبارات التي حفظت لها الوجود والإنتشار في مجالها الراهن، وتبيان نوع وطبيعة المناخ اللهجي العام الذي كان يميز الوضعية اللغوية بالمجال قبيل اكتساحها له، وأخيرا الإحاطة بأهم الروافد التي تغذت منها في تشكيل وتعزيز مستوياتها المعجمية والتركيبة والصوتية والدلالية.
إن البحث في خصائص الحسانية ومقومات استعمالها العام، وأوجه الاختلاف والاشتراك بينها وبين باقي اللهجات العربية وغيرها، ومن أجل بلوغ الهدف يجب الاشتغال على دراسة لسانية متخصصة حول اللهجة الحسانية تكشف أهم الخصائص اللسانية التي تميزها أو تقوم عليها بنيويا، فضلا عن إبراز مختلف المقومات التي تخص استعمالها في مجالها الواسع بشكل عام وفي بعض المناحي منه بشكل خاص، وإدراك حجم بعض الفروق القائمة وطبيعتها، وأوجه الإختلاف والاشتراكات الموجودة بينها وبين باقي اللهجات الأخرى، وبعض اللغات وفي مقدمتها اللغة العربية، ويبقى مشروع البحث في جهود الكولونياليين حول اللهجة الحسانية من أهم المشاريع التي يهدف إليها المركز الصحراوي للدراسات والأبحاث.
خلال الندوة تم تقديم جرد لأهم الدراسات والأبحاث التي أنجزت حول الحسانية من قبل أعلام الدرس الكولونيالي (الإستعماري) وإظهار نوع الخلفيات التي تحكمت في توجيهها، وطبيعة المقاربات التي إعتمدتها، وأهم الأسس التي إستندت إليها في معالجة ودراسة هذه اللهجة على المستويين المنهجي/الإجرائي والمعرفي، وما هي الإختلالات التي وقعت فيها؟ وكيف يمكن تجاوزها؟ وهل يمكن التمييز داخلها بين خصوصيات معينة؟ أم أنها على إختلاف إنتمائها للدوائر الإستعمارية تظل شيئا واحدا؟ وما هي القضايا اللسانية التي إستاثرت بإهتمام الباحثين الكولونياليين فيها؟.
يبقى البحث في قضية الحركة المعجمية حول اللهجة الحسانية في مجال "البيظان" ضروريا وذلك قصد التعريف ببعض الجهود العلمية القيمة التي قدمت في هذا الباب وإبراز النظام (النسق) والمنهج (الإختيار) الذي إعتمدته في ترتيب مداخلها المعجمية (الوحدات) وتبويب مادتها اللغوية (المتن)، من خلال التركيز على تقديم قراءة في مشروعي المستعربة كاترين تين الشيخ Catherine Tain Cheikh ومعجمها الفرنسي-الحساني، واسماعيل ولد محمد يحظيه ومعجمه الممتع المحيط من كلام أهل شنقيط. وفي ختام الندوة تم تقييم هذا الجهد العلمي لتأكيد الحاجة الماسة إلى أغناء البحث والنقاش الأكاديمي حول اللهجة الحسانية كموروث ثقافي صحراويي ولتعزيز وتطوير اللهجة الحسانية دعما للرصيد اللغوي بالمغرب، وهذا لن يتأتى حسب المشاركين إلا بقدرة مشتركة تدفع نحو التفكير في إنجاز مشروع معجم حساني تتظافر فيه الجهود من أجل تحقيقه وإعداده ليوثق لهذه الثروة الشفهية القيمة.