قال مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، في تبريره للحكم على معاذ بلغوات الملقب بـ "الحاقد"، بأن الشاب العشريني لا يمتع بحصانة تحميه من الاعتقال والمحاكمة والسجن، وتساءل وزير "الحريات"، الذي كان يتحدث أمام البرلمان "ما يمنع محاكمة الحاقد؟ هل يتمتع بحصانة معينة تجعل أمر متابعته خرقا للقانون؟".
هذا التصريح كان سيكون عاديا لو صدر عن وزير للعدل في دولة يقر فيها الجميع بأن العدالة فيها فاسدة، لكن أن يصدر عن وزير يحمل لقب وزير الحريات، في بلد مازالت الحريات الأساسية فيها تحتاج إلى من يدافع عنها ويحميها، واكثر من ذلك أن يكون صاحبه هو مدافع سابق عن الحريات، كان حتى الأمس القريب على رأس هيئة حقوقية تدافع عن الحرية والكرامة، فإن ذلك يعيد طرح جدلية العلاقة ما بين قوة إغراء السلطة وسحرها أمام الوهن الذي يصيب المواقف عندما تخبو الضمائر...
كان الأحرى بالرميد، كمدافع سابق عن الحرية، أن يصمت عندما لم يفلح في ضمان محاكمة عادلة لمغني الراب الشاب. وكان عليه كوزير للعدل أن يلتزم بواجب التحفظ، و ينآى بنفسه عن التعليق على حكم صادر عن إحدى المحاكم التي يخضع جزء من بناياتها وسلطتها (النيابة العامة) لوصاية وزارته. وكان عليه قبل هذا وذاك، كمسؤول في الجهاز التنفيذي، أن يحجم عن التعليق على قضية مازالت أطوار محاكمتها أمام القضاء لم تنته بعد.
لكن بالرغم من كل هذه التناقضات التي أوقع فيها الرميد نفسه، وكشفت عن الجانب الآخر فيه، جانب رجل السلطة الذي انتصر على جانب المدافع السابق عن الحرية، إلا أن تصريحه فضح مرة اخرى عدالة الكيل بمكيالين التي بات يدافع عنها الرميد ويبرر أحكامها...
صحيح، إن الحاقد، كما اعترف الرميد نفسه، لا يتمتع بحصانة تحميه من المحاكمة وتجنبه السجن، وفي هذا صدق الرميد، مما يوجب الثناء على صدقه وصراحته. فالحاقد هو واحد من أبناء هذا الشعب البسيط والمقهور والمغلوب على أمره... وهل كان سيعتقل الحاقد لو كان له ظهر يحميه واسم يحصنه؟
لنسأل وزير العدل، لماذا لم يزج في السجن بنجل حميد شباط الذي أدين في قضية مخدرات بثلاث سنوات سجنا نافذا ومع ذلك فهو مازال حرا طليقا؟ أليس فقط لأنه ابن شباط، إحدى اساطير السياسة في مغرب الأساطير المفتعلة، يعرف كيف يقيم الدنيا ويقعدها برفع عقيرة حنجرته بالصراخ ، ولاشئ غير الصراخ كلما حملته وحمته أكتاف "شبيحة" نقابته وحزبه؟ هل لأنه يعرف كيف يهين القضاة ويصفهم بالإرهابيين كلما اقترب حبل العدالة من رسغه أو من رسغ أحد ابنائه؟ !
أو لنسأل وزير العدل، لماذا لم يزج في السجن بمحمد الفراع، الذي صدر في حقه حكم استئنافي بالسجن النافذ خمس سنوات، في قضية تبذير واختلاس أموال عمومية، ومع ذلك مازال الرجل عضوا "محترما"، في مجلس المستشارين يشرع للدولة قوانينها، ويتلقى تعويضاته كاملة من ميزانية الشعب التي يجيزها بتصويته عليها وهو المدان بالنهب والتبذير والاختلاس من خزائنها؟ !
ثم، لماذا ابتلع وزير العدل لسانه، عندما أطلق سراح القاضي، الذي اعترف الرميد نفسه، في تصريحات لجريدة "الصباح"، بأنه أشرف شخصيا على اعتقاله بعدما تأكد من أن "الشكاية ليست كيدية ولا انتقامية"، وأكد أنه هو نفسه من أعطى الأمر للفرقة الوطنية بترصد القاضي وإيقافه متلبسا بتلقى رشوة، وأشرف شخصيا على سير التحقيقات، على اعتبار أن ذلك يدخل ضمن إطار محاربة الفساد؟!
كيف قبل وزير الحريات، أن يتابع شاب عشريني (24 سنة) في حالة اعتقال بعدما اختطف من أمام بيته، فقط لأنه انتقد سلوك الشرطة، فيما تغاضى عن إطلاق سراح قاضي قال هو نفسه بأنه اشرف على اعتقاله في حالة تلبس؟ فإذا كان القاضي وجد في حالة شبهة، يجب مساءلة الوزير لماذا أطلق سراحه؟ وإذا ما كان القاضي قد ظلم وجب محاسبة كل من تسبب في اعتقاله، واكثر من ذلك شوه سمعته وشهر به بما في ذلك وزير العدل الذي دافع عن اعتقاله أمام البرلمان...
لقد سبق لموقع "لكم. كوم"، أن نشر خبر اعتداء شابين على والي أمن العاصمة الرباط، بالضرب والإهانة، حصل ذلك على المنصة التي كان يوجد بها ولي العهد لمتابعة إحدى فقرات مهرجان "موازين"، وكما أكدت ذلك مصادر أمنية للموقع، فقد أطلق سراح الشابين من دون تحرير محضر لهما، فقط لأنهما ينتميان لأسر ثرية ومعروفة، وأيضا بسبب تدخل شخصية نافذة أجبرت الوالي على سحب شكايته ضد المعتديين، وذلك حتى قبل أن يفكر في وضعها. فهل ضرب وإهانة ضابط كبير في الشرطة أهون من كلمات الشاب "الحاقد" التي اعتبرتها الإدارة العامة للأمن الوطني مهينة للشرطة؟ طبعا هذا السؤال لن يجيب عنه وزير العدل ولا وزير الداخلية ولا المدير العام للأمن الوطني، لكن باسم هؤلاء الثلاثة الذين خرست ألسنتهم، أدين "الحاقد" وزج به في السجن...فقط لأنه "لايتمتع بحصانة" على حد قول الرميد!
لذلك سيبقى الحكم على "الحاقد" عنوانا جديدا لغياب العدالة، ومؤشرا آخر لمن مازال في حاجة إلى مؤشرات ليدرك بأن لاشئ تغير...فامتياز نجل شباط وحصانة الفراع وسراح قاضي طنجة ونفوذ الشابين المعتديين على والي أمن الرباط...كلها أدلة حية، لمن مازال يحتاج إلى أدلة على استمرار سياسة الإفلات من العقاب وعدالة الامتيازات وقضاء الكيل بمكيالين... أما من لا ظهر لهم يحميهم، ولا رب للبيت يحصنهم، أبناء الشعب "الحاقدين" على أوضاعهم، الكاظمين الغيض على ظلمهم ، المغلوبين على أمرهم، فسيستمر اعتقالهم واختطافهم وتعذيبهم وإدانتهم في محاكمات بلا عدالة والزج بهم في سجون بلا حقوق، واكثر من ذلك سنجد دائما، من بين أصحاب الضمائر الضعيفة، من يبرر عقابهم إرضاء لأسيادهم بعد أن صموا آذانهم عن سماع أصوات ضمائرهم إن بقيت لها فعلا اصوات تسمع!
ضمير الإنسان الحر هو حصانته، والحاقد حتى وهو يقبع وراء القضبان بقي محافظا على ضميره حيا وحرا، فهل نجح الرميد في حصانة ضميره هو من منصبه؟ !