» » » » ضد التعصب والظلم.. أنا أيضا.. أتهم


أسابريس : محمد المتوكل10/03/2013 
لا يجد المرء غضاضة في ترديد عبارات الأسى وذرف دموع الحسرة والتأسف على فقدان عزيز، ولا شك أن مشاعر التقزز والنفور تنتاب الجميع، من مشاهد لجثث آدميين سقطوا أو أزهقت أرواحهم، في غفلة من ضجيج العنف وجلبة الصياح والنواح وهدير المحركات وأزيز الحوامات وألسنة الدخان المنبعثة من حرائق تشب في الخيام والمؤن والألبسة، ساعة اقتحام مخيم كديم ازيك وإخلائه من ساكنة تربو على الثلاثين ألفا. ليس معيبا، كلا هي تلك مشاعر الكرامة المتأصلة في الإنسان، والتي كرستها الأديان السماوية وأمرت بتقديسها العهود والمواثيق التي سطر بنودها بنو الإنسان، وطوقوا حرمة الحق في الحياة من داخلها بتجريم وتحريم المساس بها، بل تصدت للتنفيذ في حال صدورها كعقوبة لدى البلدان التي لم تحسم بعد في رفع عقوبة الإعدام من ترسانة قوانينها.

لهذا الكلام ما يبرره، حين يكون القصد حراكا شعبيا دام قرابة الشهر، استباقا وإيذانا بمولد أول ميدان تحرير عربي. انشىء على بعد عشر كيلومترات شرق مدينة العيون، قوامه ثمانية آلاف خيمة تأوي أكثر من ثلاثين ألف مواطن صحراوي، استقى منظموه آليات تنظيمه من عمق ثقافة المجتمع الصحراوي، باستلهام خطوط بناء الخيام، ورسم لوحة ترسي لكل مجموعة خيام موضعها وهوامش الفصل بين مجموعات الخيام، وتحديد المداخل، وأكثر من ذلك ولضرورات حاضر الأيام، تم تخصيص مواقع للمرافق من إدارة وتطبيب وخدمات صحية.. لأن أهل الصحراء في حلهم وترحالهم خبروا فن ضبط المجال وعقلنة استخدام المساحات المتاحة، ورسم لوحات تتناسق خطوطها في نصب خيام "المحصر" أو "لفريك" كما تتناسق وفي انسجام خطوط الصانع التقليدي الصحراوي على الأمتعة الجلدية.

أقيم هذا المحصر (تجمع للخيام) بعيدا عن المدينة، وفي ذلك ابتعاد عن كل ما له صلة بالمساس "بالنظام العام"، فاختاروا إدارة أمنهم وصحتهم وسكينتهم خارج نفوذ الباشا ووالى الأمن ورئيس المجلس البلدي، لأنهم ضاقوا ذرعا من ثقل "نظام عام"حول حياتهم تحت ضغط الانصياع القهري، إلى مجرد ممتثلين طيعين لأوامر المنع والنهي اليومية، دون تقديم ما توفره وضعية الإقليم القانونية لساكنيه من حقوق، أقلها أن تحترم كرامتهم، وينالون نصيبا من خيرات أرضهم في انتظار إجراء عملية استفتاء انتصبت لأجلها بعثة أممية منذ السنة 1991.

نجح النازحون الصحراويون في اختيار شكل احتجاجهم إذن. فبعد محاولات سبقت ذلك العاشر من اكتوبر 2010، أفشلتها قوات الدرك والقوات المساعدة بموقعي "كنيدلف" شمال العيون وواحة "لمسيد" شرق العيون، ستنتصب الخيام خيمة خيمة، وبوتيرة متزايدة ومتسارعة حتى بلغت الآلاف على مساحة لا تتجاوز الكيلومتر مربع بميدان كديم ازيك، حتى لا أقول "كرارة" كديم ازيك لأن المنتوج نضالي كان وليس فلاحيا...

وظل السؤال عالقا، كيف تم المنع في المحاولتين السالفتي الذكر، فيما ترك الحبل على الغارب في تجربة ميدان كديم ازيك، على الرغم من التطويق والتضييق على مساحة الميدان منذ اليوم الأول. هل مل الأمنيون من المطاردة وسحب الخيام وإحراقها أحيانا واعتقال البعض وملاحقة الآخرين، أم أن إرادة كامنة في دواخل المحتجين انتصرت على المنع، وحررت لخيامها مساحة؟؟؟ الأكيد، أن لا أحد كان يتوقع أو يدور في خلده، أن هؤلاء المحتجين الصحراويين ومن أقصى غرب الجغرافيا العربية، سيسمعون صوتا غير معهود لأهل لغة الضاد، ودون المرور من جامعة الدول العربية التي تمنع صوت الشعب الصحراوي ارضيا وفضائيا، بل عبر ميادين التحرير العربية التي ستتناسل الواحد تلو الآخر من رحم كديم ازيك.

مرت مذاك، سيول جارفة هادرة كثيرة تحت جسر التاريخ العربي، سيول تونسية وليبية ومصرية ومغربية ويمنية وبحرينية و… ولازالت العواصف والغيوم تلبد سماوات العرب، والقطار الذي انذر بمروره احدهم، يواصل عبوره للمحطات عاصمة،عاصمة. ويستمر سؤال انتصاب مخيم كديم ازيك دونما جواب في الرواية الرسمية للأمنيين المغاربة، تماما مثلما لم يجد سؤال احتلال ميدان التحرير في القاهرة جوابا لدى البصاصين والعسس من أمن واستخبارات الراحل مبارك (عن قصر عابدين)، ربما في الأمر سر الهي أو هبة من الطبيعة، فرصة يفتح فيها وبالصدفة موعد للشعوب مع التاريخ، كما تفتح السماء للبعض في إحدى ليالي العشر الأواخر من رمضان. وليكن إذن للمنجمين أو عليهم عبء فك اللغز، بعد عجز الأمنيين، ولنقل عجز المنظرين أيضا، عن تحسس توقيت الزلزال الذي انطلق من كديم ازيك، وعبثت موجاته الارتدادية بعروش من ظل العبث واقع حال وعنوان مرحلة يفرضونه في البلدان ظلما وفسادا واحتقارا للشعوب.

صحيح، ومن الوارد في الاعتقاد، أن يصعق الجميع لهول المفاجأة، حصاة صغيرة يرمى بها من كديم ازيك في بركة عربية آسنة وتستجيب وتدب فيها الحياة بعد موت سحيق، وعلى حين غرة من الجميع، بل ونكاد لا نصدق أن "الحماة" المتحكمين في المصائر، خلدوا يومها أو طوال شهرها إلى بيات قطبي عميق، ونعني طبعا خبراء التوقعات وعلماء الجيوست....ات، ممن أنتجتهم غرف الأبحاث بمراكز الاستخبارات العالمية. كاتب كبير من بلاد العم سام اسمه ناعوم تشومسكي عايش اللحظات تلك، وأَرَخ للبداية من كديم ازيك، نعم بداية الربيع العربي من كديم ازيك.

لا نستغرب اليوم، إن كان للاستغراب بعد معنى، فيما لو تنكر البعض أو سخر أو تهكم حتى، لكنها الحقيقة هي ذاتها، التي حملت البعض على ركوب انجازات حركة 20 فبراير والتنكر لها وقذفها بنعوت من القاموس الواطي الذي لاكه وزير داخلية زمانه حين انبرى متهكما يصف شهداء انتفاضة الدار البيضاء يونيو 1981، بشهداء "كوميرا". وكثيرا ما قيل انه من سخرية الأقدار، تنكر الثورات للثوار، والسخرية هنا أن تستعير الثورة نارا في الثورة، فينكل بثوار شارع بوركيبة ولا يرحم رفاقهم في مصر المحروسة، ويلقى في النهاية بالجميع خارج ميدان صنع القرار (الذي تسطو عليه عواصم النفط)، ولن نستغرب، إن كان في الأمر ما يدعو، إن هوجموا ولفقت تهم ضدهم كما لفقت ضد رواد ملحمة كديم ازيك. فالحقيقة الصادحة تفند مقولة أن تغييرا حقيقيا يجتاح العقل السياسي العربي. لا، بل ردة مدمرة تستشري وتسجل تراجعات خطيرة، تمضي قدما في اجتثاث جذور بذرة كديم ازيك، أو ليس كديم ازيك أول الميادين، ولأنه كذلك يرفع اليوم في وجهه قميص عثمان، ولأجل دم القميص تقتص العدالة، وليست أية عدالة، إنها عدالة العسكر التي لا تنطق إلا المؤبد عقوبة والثلاثين والعشرين سنة نافذة. عقوبات قاسية ما خلتها، إلا تنفيذا لقرار قمة عربية، مرت في غفلة من الأحداث المتصلة للسنتين الماضيتين، حتى لاحت نذرها في قطر والبحرين، بالضرب بقساوة في حكم على ناظم قصيدة تمدح تونس وتذم الأمير بإدانة صاحبها القطري محمد بن الذيب ب 15 سنة سجنا نافذا وتلفيق تهمة المس بأمن الدولة ضد الناشط الحقوقي البحريني عبد الهادي الخواجة والحكم عليه بالمؤبد. وتسللت النذر إياها، تحت جنح ليل السابع عشر فبراير 2013 إلى المحكمة العسكرية بالرباط ، مدشنة عهدا يستحق أن يسمى هذه المرة جديدا، عهد ينوء بكل أشكال الضغوط على الجماهير، ويستبعد أي حل غير الحلول العسكرية في الميدان كما في المحاكم.

الحلول الثورية جدا تلك، أي نعم، فهي المصنوعة والمركبة بطريقة ثورية وعلى مقاسات واحتياجات العهد الجديد، وعلى رأس قائمة الاحتياجات التمويل السخي. فكما كان نصيب الشاعر القطري والناشط الحقوقي البحريني والحاقد الفبرايري كان لرفاقهم الصحراويين أبطال ملحمة كديم ازيك نصيب يزيد عن ستة قرون وثلاثين عاما. أما مصر المحروسة ففي الانتظار، بعد سيول الدماء الأخيرة، دور قادم على مدون أو علماني أو ليبرالي أو قبطي من الأسماء التي تغضب ساكن المقطم، تماما كما صارت على ذلك الأحوال في تونس بعدما تم التنفيذ ضد المناضل اليساري شكري بلعيد، هي ثورات قلب التغيير إلى ماقبله وتثبيت من يقوم بالمهام أحسن قيام وعلى نفقة السادة الكرام أهل الغاز والبترول.

إن تفكيك مخيم كديم ازيك بتدخل عسكري فجر الثامن نونبر 2010، عنوان لشكل الرد الذي يختزنه العقل السياسي العربي في مواجهة أي حراك شعبي. وتأكد أن ماسبق التدخل من مناداة على تمثيلية من المخيم وتسمية اللقاءات بجولات حوار كان يرأسها وزير الداخلية المغربي، والتصريحات المطمئنة من مسؤولين مغاربة والحاملة لعبارات تفيد بمشروعية المطالب، لم يخرج كل ذلك عن سيناريو التحضير للحل الذي لم يكن سياسيا بالتأكيد. وما يدعو للدهشة، مرة أخرى، في حالة كديم ازيك، هو سيل الوعود والتطمينات والتي سوقت إعلاميا، واستمرت إلى حدود سويعات قبل التدخل تغذي حوارات المصدقين بها، ولعل أولهم ساكنة المخيم التي خلدت إلى النوم سويعات ذاك على قرار لتستفيق في ذعر وهلع على آثار قرار أشعل النار في المخيم كما في العيون وفي القلوب. بل أن كثيرين لم يقطعوا الشك باليقين، ويقنطوا من رحمة التطمينات، إلا بعد أن باغتتهم قوات كوماندو مسلحين، مقنعين مختصين في الاقتحام، يتسلقون الجدران ويقفزون على كل الحميميات بمداهمة البيوت وقلب ما تحويه الغرف من متاع وأثاث وتكسير ما يقع في طريقهم، وغايتهم أن يقع سيء الحظ بين أيديهم فينال ما جلبته تعاسته رفسا وركلا ولكما وحصة وافرة له ولعائلته من القاموس الواطي بذاءة وعنصرية مقيتة، قبل نقله لتجرب عليه آخر ابتكارات دروس امتهان الكرامة الإنسانية، وتتكرر زيارات المقتحمين في الليلة الواحدة وما يتلوها، واستبيحت البيوت والممتلكات ومحلات التجارة والأغنام، ولم يسلم أي شيء، من سطو وبطش مليشيات مسلحة كانت ترتكب جرائمها تحت أنظار وحماية أفراد ودوريات الأمن.

كانت أعداد المعتقلين من الشباب الصحراوي تتزايد باطراد، تقيد أيديهم إلى الخلف وتعصب أعينهم ليقتادوا ويكدسوا في ناقلات أشبه ما تكون بسيارات نقل اللحوم (في بلدان العهد الجديد طبعا) لكثرة ما علق داخلها من دم وأسمال. وتكون وجهتهم صوب مراكز الاعتقال التي تعددت تلك الأيام، ولما فاضت الأعداد عن الاستيعاب في المعتقلات الرسمية، عبئت قاعات المدارس والمحكمة والثكنات لخدمة الوافدين. خدمات عدد المعتقلون وصفاتها، ففاقت في ساديتها ما تحكيه روايات الناجين من درب مولاي الشريف والكومبليكس وكوميساريات زمن الرصاص التي استنسخت "بوليسيا" في زمن اجتثاث بذرة الربيع العربي.

لم يصدق الصحراويون أن أجواء الانتقام الأعمى التي ألمت بهم، تكون بسبب أعمال اقترفوها، فما أكثر ما نالت المرأة الصحراوية، من ألوان التسلط والقهر والتنكيل، فلاذت بصفات الصبر والصمود والتحدي التي انتزعتها، بجدارة واستحقاق، صفات تَميُز وأوسمة فخر تشهد بها مقاطع الفيديو المنتشرة والطافحة بسمو الهمة وقوة الشكيمة، هي الحرة التي لا تعيش بثدييها في أتم معاني لسان العرب. كثيرات غادرننا في صمت بعد معاناة فاقت التحمل، أمثال خديجتو ابهاي وفتيحة حيدر، ممن عايشن أجواء الهجوم على المدنيين في المخيم وفي المنازل والشوارع بالعيون. وكم هي غزيرة دلالات صورة تلك المرأة التي تواجه وابلا من اللكم والرفس والهراوات، فيما لا تأبه إلا لملحفها، الذي تطاله حركات من هم في حكم الأوغاد في عرف مجتمع يقدس المرأة ويترفع عن قهرها وإذلالها، فتعيده بإصرار إلى سابق وضعه، ولسان حالها يقول لا تحاولوا فالملحفة سليلة الخيمة، لن تقتلعها أيديكم ولا مذكرات منعكم ودونها أجسادنا وأرواحنا.

وفيما يذكرون أنهم ظلوا مسالمين، ولم يكترثوا لمناورات الاستفزاز التي كانت تتربص بصمودهم تحت الخيام المحاصرة داخل طوق مطبق من المتاريس الترابية، والمطلة منه أعداد من الشاحنات والسيارات العسكرية وتشكيلات قوات مسلحة تغطي المحيط. واستعرت نار الاستفزاز وبلغت ذروتها بتاريخ 24 اكتوبر2010، حين تم إطلاق النار على سيارة كانت تتوجه إلى المخيم فقتل طفل كان على متنها اسمه "الناجم محمد فاظل الكارحي" لم يتجاوز ربيعه 14، وجرح أخوه الزبير وخمسة شبان آخرين كانوا على متن السيارة. وحكايات القتل العمد أكثر من أن يتم حصرها قبل أو بعد الهجوم على المخيم. ويذكر فيما يذكرون، انه تم دهس المواطن الصحراوي "حمادي بابي الكركار" التقني بشركة فوسبوكراع، بينما كان ينزل لتوه من حافلة نقل عمال فوسبوكراع، منتصف نهار يوم التدخل المشؤوم، ليتم سحْقه تحت عجلات سيارة الشرطة بتعاقب حركتها متقدمة ومتأخرة على جثته، كما يحكي اخو الضحية. ومن أسماء الضحايا الصحراويين، "ابراهيم الداودي"، 40سنة، الموقوف في نفس الثامن نونبر 2010، ليعم خبر وفاته بعد يومين. واستمرت أعمال القتل العمد ولم تتوقف يوم التدخل العنيف أو اليومين التاليين أو حتى أسبوعا بعده، بل في الشهر الموالي ستستفز مشاعر الصحراويين من جديد على وقع جريمة قتل بإطلاق الرصاص، ارتكبها شرطي بزي رسمي كان ضحيتها الشاب الصحراوي "سعيد دمبر"، وتتناسل الحكاية منذ مقتل "حمدي المباركي" و"الخليفي ابا الشيخ" نهاية 2005، واختفاء 15 شابا صحراويا من نشطاء الانتفاضة نهاية نفس السنة، تصر عائلاتهم على أن السلطات المغربية دبرت عملية اختطافهم، ولا يزالون في عداد مجهولي المصير.

واستمرت ماكينة الفتك بأرواح الشباب الصحراوي، وكل الصحراويين يتذكرون حالة المواطن الصحراوي الذي قتل في السجن لكحل بالعيون سنة 2002، واثبت تقرير طبي أنجزه الطبيب الشرعي الدكتور الواهلية أن "محمد بوستة" مات مقتولا، وقد حاول وزير الصحة آنذاك ثنيه عن تعميم استنتاجاته، لكن الواهلية، دكتور الطب الشرعي الوحيد الذي كان مشهود له بالكفاءة والنزاهة، أخلص لضميره، وتكررت استنتاجات تقاريره بحالات الوفاة غير الطبيعية في مخافر الشرطة، ولم يرق أبدا عمله للسلطات المغربية، فاختار مغادرة المغرب إلى كندا، فغاب الاختصاصي المتمرس النزيه، ليغيب بغيابه اختصاص الطب الشرعي برمته.

ويعود شريط أحداث القتل بالذاكرة إلى حادث دخول مواطن صحراوي اسمه "سليمان الشويهي"، مخفر الدرك بكليميم مشتكيا وغادره جثة هامدة، وتتوالى فواجع القتل المرعبة ضد الصحراويين بسحق الشابين "لكتيف الحسين" و"بابا خيا" بالمحطة الطرقية باكادير من طرف سائق حافلة تعمد النيل منهما نهاية 2008، بعد انزعاجه من احتجاج الطلبة الصحراويين لعدم توفير وسيلة نقل. ولم يكن طالب صحراوي آخر "حمادي هباد" أوفر حظا من رفيقيه، بعدما تلقى طعنة غادرة بالحي الجامعي بالرباط فارق على إثرها الحياة في 21 ابريل 2011. وغير بعيد من العيون، وخلال هجوم عدواني عنصري ضد الصحراويين بالداخلة يتعرض الشاب الصحراوي "ميشان ولد محمد لحبيب" لاعتداء وحشي من طرف مليشيات، حيث ظل يرفس تحت الأرجل ويتلقى الطعنات وينكل بجثته بعدما فارق الحياة، غير بعيد من أنظار الجيش والشرطة.

عمليات قتل في صفوف الشبان الصحراويين، لم تكلف السلطات المغربية نفسها، إزاء اغلبها، مجرد فتح تحقيق، وان فتح يحفظ أو يسجل ضد مجهول. ولما يعلم القاتل، وفي كل الحالات، يكون القاتل معلوما، لان من أطلق الرصاصة، من أعطى الأمر، من ألقى القبض، من حقق.. أسماؤهم مدونة في سجلات الخدمة، ولأن القاتل من أفراد القوة العمومية وفي الحالات النادرة التي يعتقل، يقدم أمام محكمة مدنية، رغم انه مشمول باختصاص المحكمة العسكرية، ويستفيد من كافة ظروف التخفيف في الحكم والجلسة، بما فيها منع حضور عائلات الضحايا ومنع وقوفهم للاحتجاج. وان صدرت العقوبة، أقصاها خمسة عشرة سنة ضد قاتل سعيد دمبر، تكيف استئنافيا إلى خطأ القتل غير العمد أو "القتل الناجم عن استفزاز قوات الأمن"، كما في حالة قتلة حمدي المباركي الذين قضيا سنتين واخلي سبيلهما، أو يبرأ القاتل كما في حالة الدركيين قتلة الشويهي سليمان، أو أربعة أشهر حكما نافذا لسائق حافلة، تعمد قتل شابين صحراويين داخل المحطة الطرقية وإلحاق عاهة مستديمة بثالث.

فيما يظل المعتقل السياسي الصحراوي والناشط الحقوقي "يحي محمد الحافظ اعزة" يكابد حكما قاسيا ب 15 سنة سجنا نافذا، عن جريمة لم يرتكبها، ولم يعلم حتى بحدوثها حين اعتقاله، بل لم يحقق معه في شانها، أثناء اعتقاله. وكل ما يجيد قوله المسؤولون المغاربة، في "الاوف" كما نقلت يومية أخبار اليوم المغربية في العدد 1002، أن الوضع الأمني في منطقة مضطربة لا يسمح بمساءلة أمنيين، وفي هذا القول أن توجها عاما يدفع لحماية الجلادين، ويبقي على الإفلات من العقاب منهجا ضروريا، بل حاسما في استمرار دكتاتوريات العهد الجديد.

إن محاكمة أبطال كديم ازيك، والتي دامت تسعة أيام، وفي غير ما اتصل بتفاصيل مجرياتها التي نقلها بأمانة تقرير تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان/كوديسا، الصادر في السادس مارس 2013، تظل تؤرخ لحدث مفصلي لم تكن الدولة المغربية مستوعبة لنوعيته، ولا مدركة لنتائجه، فجانبت الصواب في التوصيف، حيث انبرت محاضر الشرطة القضائية كما قصاصات الإعلام، على استنساخ قاموس بوليسي قديم لا يرى في حدث النزوح الجماعي للصحراويين، غير عمل إجرامي من تدبير مجموعة تنعتها عدالة العسكر بالعصابة الإجرامية، مستجمعة ما يكفي من مواد القانون الجنائي لتسقطها على حدث اثبت انه عصي على ترتيبات ذهنية أمنية، لم تسعفها مهارات التلفيق ولا حذق الفذلكات الواهية في حبك السيناريو المتخيل. فالمنطلق المألوف واحد، العداء للجزائر واعتبار أن ما يشغلها كل الوقت، إعداد المؤامرات لضرب استقرار امن المغرب، والحكم مسبقا على كل من تطأ قدماه الجزائر، أو مر منها، هو بالضرورة مساهم، مع سبق الإصرار، في الإعداد لمؤامرة ما. وعلى ضوء الرؤية تلك، تحضر طبخة المحاضر المتبلة بعبارات الإعداد والتخطيط للمساس بالأمن الداخلي والخارجي. وبناء عليه، تعتبر الندوة الدولية المنظمة بالجزائر في موضوع "حق الشعوب في المقاومة/حالة الشعب الصحراوي"
غرفة العمليات التي أنتجت فكرة وأسلوب تنظيم مخيم كديم ازيك، ولذلك حين غلب "عمى الأسماء"على الأجهزة المطاردة والباحثة عن ملإ بياضات المحاضر، عادوا إلى لائحة المرور من المطار، لينتقوا من بين عشرات المعتقلين (تجاوزوا المائتين) أسماء شاركت في الندوة أو أعضاء لجنة الحوار التي تحاورت مع وزير الداخلية. وفيما عدا ذلك، سباحة في الخيال الأمني. أما الحكم الذي خرج به من حضر أطوار المحاكمة، جميع من حضر، هو غير الذي اصدر القاضي، لأن هيئة المحكمة لم تقدم، فيما يتم التأسيس عليه لإثبات الوقائع التي تورط الجاني، ما يربط أي اسم من الذين كانوا يمثلون أمامها طيلة الأيام التسعة باسم أي ضحية ممن أظهرهم الشريط المصور. فيما وعلى النقيض من ذلك، لم يحاكم جل المتورطين، والمعلومين بالاسم والصفة، في قتل شبان صحراويين قبل، أثناء، وبعد كديم ازيك، وفي وقائع لا تخرج عن مظاهرات سلمية تطالب بتقرير المصير.

أليس في غياب دليل واحد يثبت ما تدعيه محاضر الشرطة، اكبر الأدلة وأقواها على براءة الشبان الصحراويين الخمسة والعشرون، ألا تجد الدولة المغربية حرجا في الإبقاء عليهم وراء القضبان. أوليس من كرم الأخلاق، أن يعتذر كل من ركب موجة التطرف واشتط سعاره ضغينة وحقدا وعنصرية ضد الصحراويين. وماذا عن المسؤولين الرسميين الذين هبوا مطالبين بأحكام مشددة ضد أبرياء، أليس في ذلك التحيز ما يوضح الواضحات ويفضح المسكوت عنه "مواطنينا" "أعدائنا"، أما سيدة القناة المغربية الثانية، فهل علمت أنها بكلماتها في حوار بجريدة اخبار اليوم المغربية ع 1006 والقول "إنها أعطت الكلمة لعائلات الضحايا، ولن تعطي الكلمة للذين ذبحوا وقتلوا أو لعائلاتهم، حتى لا يشككوا في الوحدة الترابية في قناة عمومية"، فإنها تؤكد من حيث لم تدر، أن المحاكمة سياسية والفيلم كله حول حق الصحراويين في تقرير المصير.

إن ما جانبته محاضر الشرطة، وأقلام الصحفيين، هو أن نزوح الصحراويين جماعيا وبشكل إرادي، لم يكن وراءه من دافع غير رفض واقع أنهك قدرتهم على التحمل. فعبروا، بإقامة مخيم منظم بكديم ازيك، عن نوعية الاحتجاج الذي أرادوه وأداروه باقتدار، ولئن كان في التعريفات أو الاصطلاحات ما يصبغه بصفة العصيان المدني، فهو بتلك الصفة يترجم المطلب السلمي، الواعي، الجماعي، في رفض منظومة القوانين التي تكبل إرادتهم وتقمع حرياتهم وتحرمهم من التصرف في خيرات أرضهم، انه بالنهاية اعتراض على ممارسات الدولة المغربية وشهادة إفلاس لسياستها، لكنه اعتراض أيضا على بعثة أممية لا تقدم حلولا لمشاكلهم.

وحتى اختم، لابد من التوجه إلى كل باحث في تقاليد الالتزام السياسي الفكري، والقول إن كتابا كبارا، كفولتير وفيكتور هوغو، كرسوا وقتهم ومهاراتهم الخطابية لمحاربة التعصب والظلم، وتماما سار على هديهم، العظيم إميل زولا، يهاجم الأحكام الجائرة والتعصب الأعمى، في مذكرته الشهيرة... "أنا أتهم…"

فهل من مجير، يقول، مناهضا لأحكام جائرة أخرى، أنا اتهـــــــــــــــــــــــــــــــــم...
عضو المكتب التفيذى للكوديسا

كاتب المقال Unknown

حول كاتب المقال : قريبا
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

دع تعليقك