أول مرة تعترض فيها الحكومة على البرلمان في ممارسة مهامه، كان في عهد هذه الحكومة التي جاءت في سياق وطني وعربي مغاير، حيث أوقفت بقوة الواقع والقانون والدستور مناقشته مشروع القانون التنظيمي حول لجان تقصي الحقائق الذي أعده فريقين برلمانيين، وقدمت مشروعها الذي أعدته الأمانة العامة للحكومة، التي يقودها إدريس الضحاك.
ولقد سبق للوزير الحبيب الشوباني أن قدم رواية الحكومة في هذه السابقة، وقال في مجلس النواب أن الحكومة لم تعترض ولم تسحب مشروع الفريقين النيابيين، وأن الذي حدث هو أن رئيس لجنة العدل والتشريع التي تناقش المشروع البرلماني، طلب منه رئيس مجلس النواب، كريم غلاب، إيقاف النقاش حوله، لكن، وبعد مرور بضعة ساعات ليس إلا، نفى رئيس اللجنة البرلمانية جملة وتفصيلا ما قاله الشوباني.
وبعد ساعات أيصا صدرت رواية ثانية، وهي لحزب الاستقلال الذي ينتمي إليه رئيس مجلس النواب، وهي التي جاءت في افتتاحية في يومية الحزب "العلم" بعنوان معبر "ما حرص الشوباني على التستر عليه"، وتقول إحدى فقراتها المهمة:"المشروع المثير للجدل مصدره الحكومة، وتم إدراجه في الاجتماع (ما قبل) الأخير للمجلس الحكومي بأمر من رئيس الحكومة، الذي كان يعلم حسب ما أكده الشوباني نفسه بأن وزيره في العلاقات مع البرلمان كان قد قطع أشواطا مهمة في الاشتغال رفقة السادة النواب بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب في دراسة مقترح قانون، و بالتالي إن القضية التى سعى السيد الشوباني إلى حجبها خلال رده على السؤال الشفوي تكمن في أن الإشكال يوجد داخل الحكومة التي يرأسها الأستاذ بن كيران ويوجد الأستاذ الشوباني من بين أعضائها، والذي قد يكون لا يعلم كافة التفاصيل في هذا الصدد مادام قد قاطع الاجتماع (ما قبل) الأخير للمجلس الحكومي".
نحن الآن أمام روايتين متناقضتين، لكن ليس هذا هو الأهم، وليس الأهم أيضا هو من أوقف مناقشة المشروع في اللجنة البرلمانية، وحتى ما إذا كان فعلا تم توقيف النقاش حول هذا المشروع أم لا، لأن في رواية حزب الاستقلال إعلان ضمني على أن الحكومة كانت قد بدأت في إعداد مشروعها منذ مدة، وأنها فعلت ذلك وهي تعلم أن البرلمان يعد مقترحه، وأنها استمرت في تنقية مشروعها قبل عرضه على جدول أعمالها، والذي يعده بالمناسبة رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، حتى وإن كان وزيرها المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني، قد أخبرها أن اللجنة البرلمانية لا يفصلها سوى تفاصيل قليلة ليكون مشروعها جاهز!
إذا صحت رواية حزب الاستقلال، فهذا يعني أن الأمانة العامة للحكومة، كانت مصرة على إعداد مشروعها، حتى وإن كان البرلمان، وهو السلطة التشريعية، في طريقه لإنهاء مناقشة مشروعه!
دستوريا، من حق الحكومة والبرلمان، أن يقترحا مشاريع قوانين تنظيمية، حيث يقول الفصل 85 من الدستور على أنه «لا يتداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه»، ويقول أيضا الفصل 86 على أنه «تعرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان، في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور».
وإذا كان واضحا من خلال الفصلين أن الدستور منح البرلمان والحكومة معا حق تقديم مشاريع ومقترحات قوانين تنظيمية، فإن الحكومة أولت الفصلين لصالحها فقط، واعتبرت أن مشاريع القوانين التنظيمية مجال خاص بها لا يقبل اقتسامه مع البرلمان، وهو تأويل غير ديمقراطي للدستور، ما دام ينص صراحة على حق البرلمانيين في إعداد مقترحات قوانين تنظيمية، ولذلك بالضبط قال رئيس الفريق النيابي للعدالة والتنمية، عبد الله بوانو، أن التأويل الذي قامت به الحكومة للفصلين الدستوريين، تأويل غير ديمقراطي للدستور، فما بالكم ببقية فرق المعارصة التي قالت في الحكومة، في هذه النازلة، ما لم يقله مالك في الخمر.
إذا حدث وأصرت الحكومة على هذه القراءة للدستور، فإن كل مشاريع القوانين التنظيمية المهيكلة لمستقبل المملكة ستعدها الحكومة، حتى تضمن عرضها على المجلس الوزاري، وستحرم البرلمان من حق منحه إياه أول دستور في عهد محمد السادس، وإذا حدث وتعطل هذا الحق، فسنكون عمليا أمام مرحلة ما قبل الدستور الجديد، وهي المرحلة التي طواها الملك محمد السادس بخطابه الشهير في مارس 2011، والذي صفقت له النخبة السياسية، وقالت على بركة الله.
بهذا التحليل، سيكون سؤال:هل أوقف كريم غلاب المناقشة حول مشروع القانون التنظيمي لا فائدة منه، لماذا؟ لأنه حتى لو فعل ذلك، فإن الحكومة كانت مصرة على اعتماد مشروعها، ولذلك قالت "العلم" في نفس الافتتاحية وهي ترد على الشوباني دائما أن اتصال كريم غلاب برئيس لجنة العدل والتشريع لم يكن من أجل إيقاف المناقشة، ولكن من أجل الاستفسار:"أما أن يتفطن السيد وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني إلى توظيف اتصال هاتفي عادي بين رئيس المجلس ورئيس لجنة العدل والتشريع للاستفسار عن المعطيات الدقيقة في شأن كل ما راج ودعوته إلى التريث إلى حين اتضاح الصورة للمغالطة وتحريف الحقائق، فذلك ما لا يمكن أن يقبله المنطق، ناهيك أن اللجنة النيابية سيدة نفسها، وحتى وإن صح ما ادعاه الأستاذ الشوباني فإن مسؤولية رئيس اللجنة المعنية واضحة ومؤكدة، ولا نعتقد أن رئيس اللجنة المعنية يقبل بأن يقع المساس بصلاحيات اللجنة وأن يقع التطاول على سيادتها" .
.febrayer.com
.febrayer.com