تنتظر المغرب معركة دبلوماسية تحتاج إلى الكثير من الجهد داخل أروقة الاتحاد الأوروبي في الـ23 يناير 2014، خلال الدورة العادية للجمعية البرلمانية لمجلس الاتحاد الأوروبي، وذلك لمناقشة مشروع تقرير حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، يركز جزء كبير منه عن "واقع حقوق الإنسان بالصحراء".
التقرير الذي مازال إلى الآن على شكل مشروع، ويحاط بنوع من السرية بعد أن تقدمت به ليليَان مولِي باسكِير، عن الفريق الاشتراكِي، من سويسرَا، وتنفرد هسبريس بنشر مضامينه، وجّه الكثير من الانتقادات للسلطات المغربية بعد أن اعتبرها "مرتكبة لانتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان بالصحراء عبر قمع الاحتجاجات، والاستعمال المفرط للقوة فِي التصدِي للمحتجين، واعتبار إبداء آراء مخالفة أو انتقاد الموقف الرسمِي من قضيَّة الصحراء الغربيَّة بمثابة تهديد للوحدة الترابية للمملكة".
مشروع التقرير، الذي تمت مناقشته أمام وفد برلماني مغربي، مكوّن من محمد ياسين ونزهة الوافي من العدالة والتنمية، وعمر حجيرة من حزب الاستقلال، وحسن بوهريز من حزب التجمع الوطني للأحرار، والمهدي بنسعيد من حزب الأصالة والمعاصرة، ومحمد عامر وعلي شكاف من الاتحاد الاشتراكي، وفوزية الأبيض من حزب الاتحاد الدستوري، والمختار عيمنو من الحركة الشعبية، لم يُعمد إلى "تخفيف" حدة ما جاء في مضمونه إلاّ بتدخلات من برلمانيين إسبان وفرنسيّين طالبوا البرلمانية السويسرية، التي أعدت التقرير، بتغيير العديد من "الأوصاف التي لا تتوافق مع الواقع المعاش على الأرض".
الاعتقال التعسفِي والاستعمال المفرط للقوة
تحت عنوان عريض: "وضعيَّة حقوق الإنسان في الصحراء"، قالت ليليَان مولِي باسكِير في تقريرها إنَّها رحبت، فِي دورة يونيُو 2013، بالتقدم الذِي كان المغرب قد أحرزه في مجالات نبهت إليها اللجنة الأوربيَّة عند منحه وضعية الشريك في الديمقراطية، بيد أن استحسان المقررة الأوربية لما تم إحرازه لم يمنع من الإشارة إلى بعض "انتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء الغربيَّة التي كانت لي فرصة الحديث عنها في لقاءات مع السلطات المغربية، ومسؤُولِي منظمات دوليَّة، ومدافعين عن حقوق الإنسان في الرباط كما في العيون" يضيف التقرير الذي يدخل في خانة "غير العلني" لحد الآن.
وبالملمُوس، يضيف التقرير، أفضت الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان إلى تحركات قويَّة لمنظمات دولية غير حكومية، كمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، ومؤسسة روبرت كينيدي للعدالة وحقوق الإنسان، حيث أدانت هذه المنظمات حالات اختفاء قسريَّة، واللجوء إلى الاعتقال التعسفِي من أجل قمع الاحتجاجات، والاستعمال المفرط للقوة فِي التصدِي للمتظاهرين، كما أنَّ نفس المنظمات طالبت بتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.
المقررة السويسريَّة أحالت على تقرير بعنوان "واحة الذاكرة"، أعدهُ كارلوس بيريستان، قالت إنه قدم توصيفا دقيقا للوضع في اعتماده على شهادات مباشرة استقاها سنة 2011 من ضحايا الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في الصحراء، ومن أقارب ضحايا اختَفوْا منذُ 1975.. كما أنَّ مجلس حقوق الإنسان بمنظمة الأمم المتحدة اطلع، في الرابع من مارس 2013، على تقرير المقررة الخاصة حول وضعية المدافعين عن حقوق الإنسان، مارغريت سيكاجيَا، التِي أعربتْ عن قلقها حيال تقييد حرية التجمع في الصحراء، واللجوء إلى العنف المفرط في قمع المظاهرات، ومشاكل التعلِيم التِي تعانِي منها المنطقة.
وضع حقوق الإنسان بالمغرب تم تقييمه أيضًا في إطار دولِي ترعاهُ الأمم المتحدة، شهر مايْ الماضي، مما دفع نحو قبول الحكومة المغربية لإدراج الاختفاء القسرِي ضمن الانتهاكات في القانون الجنائي، وإعلان قانون حول العنف الداخلي، لكن المغرب رفض توصيات للأمم المتحدة تطالب باتخاذ إجراءات قضائيَّة على مستوى تنفيذ وتحسين مساطر تسجيل منظمات المجتمع المدنِي.. يورد التفرير.
وضمن باب "وضع حرية التعبير" سجل مشروع التقرير، الذي سيدخل المداولة قبل أن يعرض للتصويت شهر يناير من السنة القادمة، أن إبداء آراء مخالفة أو انتقاد الموقف الرسمِي من قضيَّة الصحراء يعتبر بمثابة تهديد للوحدة الترابية للمملكة "ما يضيق على دعاة الاستقلال من الصحراويين حين يقومون بأنشطتهم، كالتحرش والمراقبة من قبل قوات الأمن، وفرض قيود على حرية التحرك، والمتابعات في بعض الأحيان على خلفية الاتهام بتهديد الأمن الداخلِي والخارجِي للمغرب، فضلا عن استمرار عقوبات سالبة للحرية عند ترويج أخبار أو آراء مناوئة للإسلام، والمؤسسة الملكيَّة والوحدة الترابية".
المقررة السويسريَّة تقول في مشروعها الذي حصلت عليه هسبريس: "لقد استطعت خلال زيارتي للعيون أن أرصد تلك القيود، تحديدا خلال شهر ماي الماضي، حيث أنَّ السلطات حاولت أن تمنعني من لقاء ناشطين حقوقيين في مقراتهم، وهم من كنت قد ربطت الاتصالات بهم شخصيّا وينتمون إلى منظمات لا تعترف بها السلطات المغربية رغم تقدمها بطلبات للتسجيل والاشتغال تحت السيادة المغربيَّة".. "استهداف المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان، ومن يفضلون حلّ تقرير المصير، بالاستخدام المفرط للعنف وقمع المظاهرات" كان هو الآخر ضمن ما جاء به مشروع تقرير مولِي باسكِير، التي تستعد لزيارة الجزائر وتيندوف في الـ6 إلى 9 من أكتوبر الجاري لـ"توسيع نظرتها للأمور".
رفض تسجيل المنظمات والجمعيَّات
وتورد ذات الوثيقة أنَّ النشطاء الصحراويين أطلعوا باسكير، خلال زياراتها لهم، على مقاطع فيديو توثق العنف الذي مورس عليهم.. وتضيف مولِي باسكِير: "يوم وصولي إلى العيون، في الـ 22 ماي 2013، رفضت السلطات المغربية طلبا من أجل الترخيص لتنظيم مظاهرة سلميَّة، بذريعة وجود دواعٍ أمنية تسوغ الرفض.. أنا مقتنعة تمام الاقتناع بأنه على المغرب أن يحمي حقوق المتظاهرين الصحراويين ويدعهم يعبرون عن أرائهم بطريقة سلميَّة، مع التحقيق في الأحداث التي أسفرت عن وقوع جرحى، مع تقديم المسؤُولين عنها إلى العدالة".
وأشارت مولِي باسكِير إلى محاكمة المقترنين بملف اكديم إزيك من لدن القضاء العسكري، وقول عائلاتهم إنهم احتجزوا في ظروف جد صعبة، مع تقييد حقوقهم في تلقي زيارات، وصعوبة تلقي العلاج والحصول على تغذية متوزانة وملابس نظيفة، وأردفت على متن التقرير أن نفس الأسر اعتبرت المحاكمة شابتها اختلالات في التدبير، مطالبة منظمات حقوقية كثيرة بمحاكمة المتهمين في محكمة مدنية دون أيِّ إكراه، كما أشارت إلى منع الصحافيين الدوليين من الدخول إلى مدينة العيون.
مشروع تقرير البرلمانية السويسرية، وهو الذي ركّز على أقاليم الصحراء رغم أن الشكاوى من التعنيفات وعدم تسجيل الجمعيات والمجاهرة بنيل تعسفات من الدولة تبقى عامّة بمجموعة من مناطق المغرب دون ميز، يبدو أنه سيحشر المملكة، مرة أخرى، في الزاوية الضيقة خلال مناقشته وطرحه للتصويت.. ما يجعل الدبلوماسية المغربية وسط وضع حساس يراهن لى "تلطيف تقرير باسكير" في محاولة لتغيير حزمة النقد اللاذع الموجّه إلى الرباط في قضايا حقوق الإنسان.