» » » » تحقيق جريدة الصباح حول أحداث أسا الزاك و كلميم





أسا بريس :
النزاعات الحدودية ليست سوى فياضة كأس مشاكل قبائل آيتوسى التي جندت 98 في المائة من أبنائها
عدا الحواجز الأمنية التي تستقبلك في كلميم، هناك حواجز أخرى تبطئ سرعة دخولك من بوابة الصحراء،  حواجز أشغال حفر وجرافات هنا وهناك تعد المدينة للدخول إلى حظيرة المدن الكبرى، خاصة بعد تشييد
مجموعة من الطرقات والمشاريع التنموية. لكن في مداخل آسا توقفك حواجز أمنية أكثر تشددا، وسيارات قوات التدخل السريع وسيارات القوات المسلحة الملكية، التي تترقب سكونا يسبق عاصفة هددت بها المدينة المهجورة،
بعد أن لاذ سكانها ببيوتهم، ليس من شمس حارقة فقط، بل أيضا خوفا من اعتقالات طالت العشرات، فاختار السكان أن يفرضوا على أنفسهم حظر تجول كما يفرض عليهم التهميش العيش  في تاريخ قبائل آيتوسى، التي يشتغل 98 في المائة من أبنائها في الجيش.

كأن الأمر يتعلق بطائرة تحطمت وباءت كل محاولات البحث عن علبتها السوداء بالفشل. هكذا تبدو أحداث كلميم وآسا في صورتها العامة، مشتتة، متناثرة بين الشهادات المتناقضة والملتبسة، قبل أن تتجمع قطع هذا "البازل" عبر السفر في زمن عزة قبائل آيتوسى، وبالذات يوم بعث الراحل الحسن الثاني شاحنات البنادق لتوزع على آيتوسى وهم بعد بدو رحل ليدافعوا عن آنفسهم من هجمات عناصر البوليساريو، لكنهم، من الصغير إلى الكبير، لم يكتفوا بانتظار وصول العدو إلى عقر خيامهم، بل طاردوه، وانخرطوا في الجيش، وكانت لهم كلمة الفصل في معارك مهمة، لخبرتهم ودرايتهم الكبيرة بجغرافية ومناخ الصحراء.
تتجمع إذن القطع، من تاريخ وماض ولى في أذهان البعض ومازال حاضرا بقوة في بيوت عائلات هذه القبيلة، التي لا تخلو من صور شهدائها وأرامل ويتامى. وحاضر تجد فيه القبيلة نفسها في قلب ما أسماه بعض أعيانها "مؤامرة" لتلطيخ قميص وطنيتها، ومستقبل يصر أبناء آيتوسى أن يكون منصفا ليس فقط للشيوخ، بل للشباب والمراهقين الذين أغرى بعضهم وهم الانفصال.
من هذا الثالوث (ماض وحاضر ومستقبل)، يصبح وجه المشكل الذي تغذيه عناصر انفصالية واضحا وجليا.
حكماء...بلا حكمة
تدفقت المعلومات عبر قنوات السلطات والأجهزة بكل تلاوينها حتى فاضت في مكاتب المركز: قبائل تعتصم في مخيم للمطالبة بترسيم حدودها مع قبائل أخرى. تستعيد السلطات المركزية صورة "اكديم إزيك" المرعبة، لكنها رغم ذلك تأنت، وقبلت بالمخاطرة والرهان على "حكماء" و"عقلاء" القبائل المعنية. وإن كان الرهان نجح في إطفاء فتيل شرارة مواجهات بين قبائل آيت زكري وآيتوسى، لتنتقل هذه الأخيرة إلى مرحلة المطالبة بترسيم أراضيها وحدودها مع قبائل لمرابطين، فإن آيتوسى كانوا عازمين على طي كل الملفات المتعلقة بالحدود، ونقلوا مخيمهم إلى نقطة جديدة، حيث كان أفراد قبيلة آيت ابراهيم يتأهبون للرد، معتبرين قيام معتصم في أراض يعتبرونها ملكهم، "استفزازا" لا يمكن السكوت عنه، بل سجلت بالفعل حوادث من قبيل "اختطاف" سائق أجير عند أعيان آيتوسى كان ينقل جملا لنحره في المعتصم، قبل أن تتدخل السلطات لإعادة الجمل إلى اصحابه، وفي المقابل ردت آيتوسى ب"اختطاف" فاعلة جمعوية وأربعة أشخاص ممن اعترضوا سبيل السائق، ونقلوهم إلى الدرك. إضافة إلى حوادث أخرى من قبيل تبادل السب والقذف.
"هو نزاع تاريخي حول تثبيت أحقية الملكية" يقول مصدر مسؤول، قبل أن يضيف "آيتوسى مكون صحراوي حساني، وآيت النص مكون صحراوي أمازيغي، وهنا يحضر هاجس الهوية، ويلعب دورا كبيرا في النزاعات. لكن رغم ذلك كانت السلطات حاضرة بقوة خاصة الوالي، الذي دعا إلى تكوين لجنة من القبيلتين ضمت 40 شخصا من كل قبيلة، اختيروا من أعيانها وحكمائها وعقلائها". لم تنخدع السلطة وهي تعاين حرارة العناق والقبل التي تبادلها أفراد القبيلتين المتناحرتين، "من قلب الاجتماع نفسه، خرجت لجنة 13/13 أي مكونة من 13 عنصرا عن كل قبيلة، وهذا رقم فرضته آيتوسى لأنها مكونة من 13 "فخدة".
في تلك الأثناء كان والي كلميم يجرب وصفة "الحكامة القبلية" لحل المشكل وتفادي مآسي "اكديم إزيك" في مخيم "إيزيمي". وطالت الاجتماعات التي أشرف عليها الوالي، إلا أن رياح السلطات و"حكماء" و"عقلاء" القبيلتين لم تجر بما تشتهي الرباط، إذ كان شيطان بوليساريو لعب على وتر القبلية الحساس، وجيشت آيت ابراهيم أبناءها، وكذلك حدث مع شباب آيتوسى، هنا "فضلت السلطات أن تلزم آيتوسي بجمع الخيام، مخافة أن تحدث مجزرة، والتزم بذلك ثلثا المعتصمين الذين رحلوا، إلا أن الثلث المتبقي أمعن في العصيان، وكان لابد من تدخل أمني لم تستخدم فيه المروحية للضرب، بل لمراقبة المجال، لصعوبة تدبيره برا خاصة أن الأمر يتعلق بمجزرة كانت ستكون بين قبيلتين".
افتقد بعض "الحكماء" حكمتهم وما عادوا يريدون العودة إلى الحوار، فرفضوا خيار اللجوء إلى القضاء بعد أن تعذر على الولاية وعلى لجنة خبراء حضرت خصيصا من الرباط للإدلاء برأيها، حل المشكل "لم يكن الوالي حاضرا مع اللجنة، إذ انفردت بأعضاء كل قبيلة، وعاينت وثائق كل واحدة، لكن لم يتم التوصل إلى حل، لذلك كان لابد من تصريف المشكل عبر القناة المناسبة وهي القضاء". يقول المصدر المسؤول ذاته. مؤكدا أن كل قبيلة حملت معها وثائق تؤكد أن ملكية الأرض تعود إليها، وكل واحدة تعتبر وثائقها الأقوى.
آسـا...تنتـقـم لشيـوخـهـا
طارت أخبار تعرض المعتصمين لتدخل أمني إلى آسا، حيث تتمركز قبائل آيتوسى، ووصلت صور التدخل أكثر درامية بفعل عناصر انفصالية. خرجت مسيرة احتجاجية، كانت سلمية في بدايتها، إلا أنها سرعان ما انقلبت إلى مواجهات لم تنته عند الشارع الرئيسي للمدينة، بل انتقلت إلى الأحياء السكنية. الحصيلة كانت مفجعة، فمن جهة "روعت الأسر في بيوتها، حتى تلك التي لم تشارك في المسيرة"، يقول عبد القادر ...، عن فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بآسا، ومن جهة ثانية استهدفت أسر دركيين وقوات مساعدة وأحرقت بيوتهم، "حاولنا إحصاء خسائر بيوت الدركيين التي أحرقت كاملة إلا أنه تعذر علينا ذلك بسبب رفض قائد السرية"، يضيف الفاعل الحقوقي نفسه، قبل أن يقول آخر "العنف كان مسيطرا من الطرفين، بل كان في أشرس حالاته".
تنقل الرعب من بيت إلى آخر "كباقي السكان، أحكمت إغلاق الباب" يقول عيدا الصندي، موظف بعمالة آسا الزاك، ويضيف "كانت السماء تمطر قنابل مسيلة للدموع، اقتحموا الباب، أسرعت إليهم، تعرفت من بعيد على أحدهم وهو عنصر قوات مساعدة يعمل معي في العمالة. لم أتوقع أن يضربني، فهو يعرف أولا من أكون، كما يعرف أني لست من مرتكبي العنف ولا من الانفصاليين. عنفوني بقوة. زوجتي أجهضت وهذه وثائقها الطبية، أبنائي الصغار أصيبوا بصدمات، لم يعد أي واحد منهم يريد العودة إلى البيت، سافروا إلى مدينة أخرى".
قدم عيدا شكاية ضد العنصر الذي تعرف عليه، خاصة أن الأمر لم يتوقف، حسبه، عند "العنف" وترهيب أفراد أسرته، بل تعداه إلى "الاستيلاء على حاسوب ودراجة هوائية صغيرة كان يلعب به طفلي وعمره ثلاث سنوات". مأساة عيدا توسعت نتيجة إحراق سيارته التي كانت في مرآب مجاور للبيت وسيارتين أخريين في ملكية جيرانه.
ثلاث سيارات تحولت إلى هياكل، داخل بعضها عبوات قنابل مسيلة للدموع، وأخرى داخلها بقايا قنينة زجاجية. لا ينكر السكان استخدام المتظاهرين، خاصة بعض الملثمين زجاجات حارقة، لكن الذين أحرقت سيارتهم في مرائبها لم يستطيعوا الجزم إن كانت تفجيرات القنابل المسيلة للدموع داخلها هي ما تسبب في اندلاع الحريق، أم الزجاجات الحارقة التي أمطرت هي الأخرى سماء حي عاش ليالي سوداء.
تواصل العنف تارة في هيأة عصي وركل وبصق وتارة في كلام ناب، على أفراد أسر، بعضها تورط أبناؤها في المواجهات، وبعضها لم تترك بيوتها إنما خلعت أبواب منازلها ونالت حصة من عقاب جماعي نزل بآيتوسى. "أبي مريض، متقاعد من القوات المساعدة، فتحنا هذا الدكان، لأن معاشه هزيل، ولا يكفي لاقتناء أدوية عدة أمراض يعانيها، لكن الظلم لا يفرق بين الناس، هجموا على محلنا التجاري. كنا حينها في البيت الملاصق له، نزلنا بسرعة لنعرف ما يجري، فوجئنا بعناصر قوات مساعدة يحملون سلعنا ويعبثون بمحتويات المحل، قدم شقيقي نفسه إليهم، لأنه جندي وجاء لزيارتنا، لكن ذلك لم يشفع لنا في استرجاع سلعنا وثمنها أربعة  ملايين سنتيم، كما لم ينفع في استرجاع ثلاثة ملايين سنتيم كان يحتفظ به والدي في المحل وهي أموال جمعية اجتماعية. دفعوا أخي بعنف، وقال أحدهم لوالدتي: "إلا بغيتي تبقاي تشوفيه اديه من هنا"، توسلت أمي إلى أخي ودفعناه إلى البيت، وأخذ هؤلاء وقتهم الكافي للاستيلاء على ما يريدون". عائلة الكعاط قدمت هي الأخرى شكاية ومازالت تنتظر الإنصاف "زيارة أعضاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان لنا ومعاينتهم ما وقع، كانت بمثابة بصيص أمل لنا، لتعويضنا ومحاسبة المتورطين الذين استغلوا الفرصة".
امرأة تتحدر من شيشاوة تعيل أبناءها هي الأخرى من محل تجاري تعرضت للسرقة "كنت مسافرة، ها هي تذكرة السفر، حين عدت أخبرني جيراني أن المخزن سرق سلعي في أكياس حملت في سيارة الأمن، قدمت شكاية وسأطالب بإنصافي، كان من كان من استولى على رزق أولادي، يجب أن يحاسب"، تبكي حنان التي كانت تستقبل نساء الحي المواسيات، "أي نعم شاهدتهم، من هذه النافذة، حين رآني أحدهم أطل قال "ادخلوا يا بنات العاهرات"، انتقلوا إلى محلنا، لكنهم لم يجدوا فيه إلا أكياس إسمنت مزقوها وبعثروه".
"العنف المفرط"
لا يوجد زقاق لا تشير فيه عائلات إلى أنها تلقت نصيبا من "العنف المفرط"، ولا "المداهمة" و"السب" و"السرقة". بل إن السكان يستدلون بفيديوهات تشهد على العنف.
‫"‬تلقينا وعود أن كل متورط سيلقى عقابه"، تقول إحدى نساء آيتوسى، فيما يؤكد مصدر مسؤول أن على كل من يلح على أنه "تعرض للسرقة أن يثبت ذلك، وأن يتقدم بشكاياته إلى الجهات المسؤولة، وحتما ستتم معاقبة كل متورط بالحجة والدليل".
تقرير فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أشار إلى استعمال قوات الأمن "العديد من الآليات العسكرية والطائرات العمودية، كما استخدمت القنابل المسيلة للدموع بعضها منتهية الصلاحية والرصاص المطاطي". وفيما يشير التقرير نفسه إلى وفاة  الشاب رشيد الشين نتيجة إصابته برصاصة مطاطية، أمر الوكيل العام لاستئنافية أكادير بتشريح جثة الشاب الذي أكدت وزارة الداخلية إصابته بآلة حادة في ظروف غامضة. زكى التقرير أيضا ما أكده السكان عن "اقتحام العديد من المنازل والمحلات التجارية وسرقة محتوياتها وتخريبها كما تم إحراق بعض السيارات المدنية ومحاصرة العديد من المنازل واعتقال خمسة أشخاص، من بينهم مسن، أفرج عنهم لاحقا".
لم تسلم عائلات الدركيين وعناصر القوات المساعدة من تدخل من نوع آخر، إذ هاجمت عناصر مسلحة بزجاجات حارقة وسيوف أزيد من 13 بيتا واعتدت على سكانه من أسر الدركيين والقوات المساعدة وأرهبت أبناءهم، كما استولت على متعلقاتهم، من ضمنهم أرملة دركي لم يشفع لها زي الحداد الشرعي على وفاة الزوج الذي قضى نحبه قبل حوالي شهرين. "زرنا مقر الدرك لمعرفة حصيلة الخسائر في بيوت عناصره، لكن القائد رفض استقبالنا" يقول الفاعل الحقوقي ذاته.
نفير آيتوسى يشعل كلميم
بكت العائلات ودبج أعيانها البيانات الساخطة، وأرغى وأزبد منتخبوها، قبل أن يعلنوا "النفير". تأهبت السيارات رباعية الدفع والشاحنات و"لاندروفيرات" الضخمة بكلميم التي تبعد بحوالي 100 كيلومتر عن آسا وتنام في حضنها كل يوم، خاصة الأحياء المجاورة لشارعي الخرشي والمهدي بن تومرت التي تعمرها آيتوسى. كانت القبيلة بذلك تستعرض قوة هائلة، وتذكر باقي القبائل بتاريخها وبحجمها. أشباح بوليساريو حضرت في الزمان والمكان المناسبين لتصب النار على زيت آيتوسى الغاضبة. استعاد الزمن القبلي هيبته، "كانوا سيخرجون في مسيرة حاشدة من كلميم، في اتجاه آسا، وستمر من أراضي آيت ابراهيم، وهنا كان يجب أن نتخذ جميع احتياطات سلامة المواطنين، فمثل هذه المسيرة التي لم تكن أساسا مرخصة تشكل عملية انتحارية، ومن واجبنا منعها" يقول مصدر مسؤول، قبل أن يضيف أن والي الجهة استدعى "الحكماء" و"العقلاء" مرة أخرى، ليناشدهم إلغاء المسيرة.
القلق على أرواح المواطنين شأن من شؤون الدولة، لذلك حشد الأمن قواته، ولمنع المسيرة التي كانت ستتحول إلى مجزرة عند الوصول إلى أراضي آيت ابراهيم للمرور إلى آسا، "استجاب الأعيان وألغي كل شيء، لكن عناصر انفصالية شعرت أن مخططها فشل، فحرضت بضعة مراهقين على القيام بأعمال شغب، وحاولت الوصول إلى مؤسسات عمومية لتخريبها، بعد أن جيشت عناصرها القادمين من مدن أخرى بالأقاليم الجنوبية". شرعت العناصر نفسها في القيام بعملياتها شبه العسكرية، "لم نستخدم قنابل مسيلة للدموع ولا أي سلاح آخر، كنا ندافع فقط، ونمنع وصول هذه العناصر إلى المرافق العمومية"، يقول مصدر أمني مسؤول، قبل أن يضيف "الشرطة لا تهمها معتقدات هؤلاء الأشخاص ولا انتماءاتهم القبلية، كل ما يهمها هو الأفعال الإجرامية الناتجة عنها".
اندلعت المواجهات بكلميم التي كانت جرافات أشغال تنمية المنطقة تهدر في عدة مناطق فيها، فيما كانت العناصر الانفصالية تفجر الزجاجات الحارقة، مستهدفة أرواح قوات الأمن، وأملاك السكان الذين لاذوا ببيوتهم، "أين كانت تتجه الزجاجات التي استهدفتنا، طبعا إلى البيوت وأملاك الناس، فلا مجال هنا لاتهامنا بتخريب أبواب البيوت وعداداتها".
وحسب المصدر الأمني نفسه فإن العناصر ذاتها استعانت بشاحنات لنقل الحجارة، كما وفر لها مضارب في البنزين المهرب حاجياتها لصنع زجاجات حارقة، كانوا حوالي 300 عنصر يتحدرون من كلميم ومدن أخرى، ولا ينتمون إلى القبيلة نفسها، بل منهم من يتحدر من مراكش وعامل من الراشيدية. تابع الأمن خطط العناصر الانفصالية على "فيسبوك". تكونت مجموعات انضم إليهم حتى بعض تجار المخدرات الذين يرغبون في الانتقام من الأمن.
"تلقينا الضربات، لكننا لم نهاجم إذ غرضنا كان هو حماية المؤسسات العمومية، أشعلوا النيران في السويقة، وكان قاصر هو من قام بذلك". لثلاثة أيام تواصلت المواجهات، ولأن للقيلولة مكانة مقدسة عند الصحراويين، فإنهم كانوا ينامون نهارا، وينشطون ليلا، "تبدأ عملياتهم عند السادسة فما فوق، وتستمر إلى الصباح، وكنا حينها نمتص الهجومات فقط، بل إن عدد المصابين في صفوف قوات الأمن والقوات المساعدة وصلت إلى 8 في اليوم الثاني و17 في اليوم الثالث أحدهم من عناصر الوقاية المدنية".
سجلت الشرطة عمليات المواجهات، واستعانت بالصور دليلا على تورط مجموعة من الأشخاص الذين يظهرون بوضوح في الفيديوهات والصور وهم يرشقون الأمن بالحجارة ويلقون الزجاجات الحارقة ويشكلون المتاريس.
توبع ستة منهم، بتهمة التجمهر المسلح والعصيان وتعييب شيء مخصص للمنفعة العامة والاعتداء على موظفين عموميين وعرقلة الطريق العمومية والمضاربة غير المشروعة في البنزين لأحدهم، حجزت في بيته 975 لتر بنزين.
انقسام قبيلة...
من وجهة نظر فرع المركز المغربي لحقوق الإنسان، فإن العنف لم يكن ضروريا، "منطق الهاجس الأمني يغلب على كل تدخل"، يقول نائب رئيس فرع المركز نفسه، مضيفا أن الجمعية توصلت بمعلومات عن تكسير عدادات الماء والكهرباء من قبل قوات التدخل السريع، "كانت هناك تجارب سابقة في هاذين الشارعين بالذات، إذ أن قبائل آيتوسى تشعر أنها لم تنصف، لذلك انقسموا إلى ثلاث مجموعات، مجموعة تكتب شعارات تحمل إشارات الانفصال، منهم  13 شخصا تخلوا عن الجنسية، ومجموعة تضم قدماء المحاربين ومجموعة تضم  مجندين مطرودين من الجيش سموا أنفسهم "الجنود الأحرار"، وكان لهم مخيم بالمقاطعة الخامسة، التي سبق أن أحرقت. وعد هؤلاء بحل مشاكلهم الاجتماعية المحضة دون نتيجة، وجاء مشكل الحدود مع قبائل أخرى ليزيدهم سخطا".
سبق للفرع الحقوقي نفسه أن لعب دور الوساطة بين الطرفين، لكن "السلطات لم تكن تفي بوعودها، وقلنا مرارا إن الجزائر ترصد 30 مليار دولار لزعزعة الاستقرار في الأقاليم الجنوبية، لكن ترتكب بعض الأخطاء التي تستغلها المخابرات الجزائرية، من قبيل وفاة الشاب رشيد الشين، ونقل جثته إلى أكادير عوض مختبر الدرك الملكي في الرباط أو الدار البيضاء، وهنا سترفع ثانية أميناتو حيدر صوتها للمطالبة بنقل الجثة إلى إسبانيا على حسابها الشخصي".
وقال الأبيض إنه كان على السلطات أن تلجأ إلى طرف ثالث لحل مشكل الأراضي بين القبائل، عبر مراجعة الوثائق العرفية.
يعرج الأبيض في تحليله لاحتجاجات آيتوسى المتكررة، على اقتصاد الريع، "الوالي اعميمي سبق أن وزع 1200 كارطية، وكرس ثقافة الرشوة، بدل إرشاء مشاريع تنموية حقيقية، فالمعمل الوحدي الذي كان في المنطقة أفلس، والشباب عاطلون ويبحثون عن أي وسيلة للكسب، كما أن قبائل آيتوسى ضحت كثيرا وقدمت أبناءها للجيش، ولم يتم إنصافها بالشكل المطلوب، بل إن بعض أنبائهم ينعتون بالانفصاليين، حتى أنه عند التدخل الأمني في شارعي الخرشي والشارع الجديد كانت قوات الأمن تردد على الساعة الثانية صباحا النشيد الوطني في إشارة إلى أن السكان ليسوا وطنيين، وهذا غير صحيح".
من جهته أكد مصدر أمني أن ترديد النشيد ذات ليلة ساخنة جاء بعد تحرير قوات الأمن منطقة كانت عناصر انفصالية تسيطر عليها وتردد شعارات مناوئة للوحدة الترابية وتمس بمقدسات البلاد، "ترديد النشيد فخر لنا وللجميع".
غضب الضباط
لم تكن عملية إحالة حوالي 900 ضابط سام وضابط وضابط صف وجنود من قبائل آيتوسى، على التقاعد دفعة واحدة قبل حوالي سنة، لتمر دون أن تثير غضبها، خاصة أنها كانت وبشهادة الملك الراحل، من القبائل التي تلقت الصدمات أيام الحرب. "الطريقة كانت مهينة"، يقول أحد أبناء أيتوسى الغاضبين، فيما يلقي ابراهيم بوغدا مزيدا من الضوء على القضية، "اتهمنا بالتشبث بأماكننا في الجيش رغم بلوغنا سن التقاعد للاستفادة، هذه مجرد مؤامرة حيكت ضدنا، لأن الحسن الثاني هو من أعطى أوامره ببقاء كل الذين يعرفون الميدان جيدا، وكان الكولونيل ماجور أيدا التامك أكبرنا، إذ لم يحيلوه على التقاعد إلا حين بلغ 94 سنة".
- نبذ...
كأنهم دحرجوا على ظهورهم من قمة جبال السلطة إلى هاوية النبذ. كيف ذلك إذا كان جميع المتقاعدين يعاملون على قدم المساواة من طنجة إلى الكويرة والدليل مشاركتهم في وقفات احتجاجية في الرباط؟ هذا ما قد يقوله قائل مستغربا رد فعل متقاعدي آيتوسى "لائحة الضباط السامون الذين لم يحالوا على التقاعد طويلة،  لكن كان أبناء آيتوسى مستهدفين"، يقول أحد أبناء المنطقة، "أيدا أحيل على التقاعد بطريقة مهينة، إذ قبل سنة بعدما صدر القرار انتزعت منه، بطريقة غير لائقة صورة الملك، وطلب منه تسليمها بطريقة أشعرته بالإهانة، وامتد ذلك إلى باقي الضباط السامين والضباط وضباط الصف والجنود".  "احتسبوا لنا التقاعد من سنة 1991، وهو ما يعني أن الأجرة ستصبح هزيلة جدا، علما أن أبناءنا غير مشغلين ولم نستفد من أي دعم كباقي القبائل" يقول حمدي الشكرادي، الكاتب العام الجهوي لقدماء المحاربين بكلميم وسيدي إفني وآسا الزاك وطاطا، مضيفا أن أبناء متقاعدي آسا الأكثر تضررا، "أبناء سيدي إفني يلجؤون إلى الميناء لتدبر معيشتهم وأبناء طاطا استفادوا من مشاريع النخيل أي هناك فرص عمل، أما أبناؤنا فهمشوا".
- "كلنا مجندون"...
إذا كان أطفال باقي القبائل يتدرجون وهم يتقدمون في السن في أحلامهم ويغيرونها كلما تغيرت طموحاتهم، فإن أطفال آيتوسى منذ نعومة أظافرهم يعرفون مصيرهم: جندي، حتى أن أهالي بعضهم لم تنتظر في السبعينات والثمانينات إلى أن يبلغوا السن القانوني لدخول الجيش، "أضافوا إلى أعمارهم سنوات ليلتحقوا بآيدا الرجل الذي يحظى بمكانة خاصة عند عشيرته، وهذا ما يفسر التحاق 98 في المائة من آيتوسى بالجيش".
يشكل متقاعدو آيتوسى من الجيش والقوات المساعدة 21 ألف متقاعد من مجموع المتقاعدين وطنيا، إضافة إلى أرامل أزيد من ألف شهيد ويتاماهن. "كنا نكون الوحدات، ولأننا كنا في الصفوف الأمامية تحملنا الصدمات وهذا بشهادة ملكنا الراحل، وقدمنا تضحيات نعتز بها، لكن حين عدنا وجدنا أن الملايير التي رصدت لمنطقتنا نهبت وأن حصتنا في التوظيفات بيعت". ما يتحدث عنه المتقاعدون هو إهمال تراكمت نتائجه وآثاره على سكان آسا.
 الحديث عن مطلب المتقاعدين بإحداث عمالة المحبس يعتبره البعض "ابتزازا"، وهنا يقول بوغدا "ثلثا أرضنا في الأرض المتنازع عليها، ولم يعطونا عمالة فيها"، ويضيف "طبعا ستخول لنا هذه العمالة الاستفادة من مواد مدعمة وهذا حقنا لأننا الأجدر به، فهنا لا نستفيد من أي دعم".
يستقبلهم محمود، أحد المتقاعدين في بيته، يأخذون أماكنهم وقد توسطهم كبير جمعيتهم، وفيما كان المضيف يصب الشاي من البراد إلى الكأس ومن الكأس إلى البراد، في حركة سيزيفية طويلة، كان ابنه قد حمل إليهم إناء مليئا بشراب بارد، يرشف منه الواحد قبل أن يمرره إلى الآخر، وهي طريقة للشرب لا يعترض عليها أحد، مادامت نابعة من أعماق تقاليد القبائل الصحراوية، كما لا يمكن أن يعترضوا على تضامن آيتوسى بجميع فئاتهم وشرائحهم، والعودة جميعا إلى نداء القبيلة مهما كانت مرتبة المنادى عليه في هرم الحداثة التي لا تعترف بالقبيلة. خاصة عندما يتعلق الأمر بالأرض. فالذين لا يفقهون في قيمة العقار المعنوية عند هذه القبائل، خاصة إذا رأوه، في يوم حرارته عدائية، مجرد أرض جرداء وبضعة أشجار طلح متناثرة في البراري الفاصلة بين أسا وكلميم، سيخطئون وهم يطرحون سؤال مدى  إلحاح تشكيل مخيم يعتصمون فيه، وخلق مشكلة أمنية للسلطات، في وقت كان يجب فيه تسوية المشكل قضائيا. فيأتي الجواب من فم إبراهيم بوغدا، محمولا على ظهر رصاصة : "ترابنا…روحنا"، ثم يضيف وقد استعاد صوته النبرة الهادئة "كنا هناك في الثكنات نقدم باعتزاز خدماتنا للوطن، عدنا إلى ديارنا ووجدنا أن الدولة لم تحم أراضينا، كان هناك ترامي عليها ومحاولات للاستيلاء عليها دون أن تحفظها لنا".
ضحى زين الدين -






كاتب المقال Unknown

حول كاتب المقال : قريبا
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم
التعليقات
0 التعليقات