» » » » التكسب السياسي

أسا بريس : مصطفى عبد الدايم
 ( قال لقمان لابنه : إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ) 

دأبت الأنظمة الرجعية والدكتاتورية على توظيف أقلام وأصوات معينة مهمتها الأساس تلميع صورة الحكام لدى الرأي العام المحلي والدولي ، في إطار ما يمكن أن أطلق عليه ( التكسب السياسي ) . وتعمد هذه الأقلام والأصوات التي يطلق عليها في القاموس السياسي صفة  المأجورة  إلى كل الأشكال التعبيرية  من رسم وتصوير ونحت ومسرح وشعر ومقال  وموسيقى وأغاني وغيرها لتقديم صورة الحاكم في حلة الزعيم المنقذ والمخلص ووو... و يكون الهدف  من كل تلك الأشكال التعبيرية المجانبة للواقع إخفاء سلطته الظالمة وتسلطه القمعي ومسلسل جرائمه . وإذا كانت هذه الأقلام والأصوات المأجورة تنمو طبيعيا في ظل الأنظمة السالفة الذكر  ، بل وتتحول بفضل الظروف الاستثنائية المحيطة بها إلى كائنات خارقة تتقمص جزءا من سلطات الحكام ، وتؤثر في العديد من قراراته . فان الغريب والمخالف لقوانين الفعل الثوري أن تبزغ مثل هذه الأقلام ..ومثل هذه الأصوات في سماء ما يفترض أنه واقع تحكمه قيم ثورية . مفهوم كما سبقت الإشارة إلى ذلك أن تكثر الطحالب عندما تشتد الأزمة . وفي التعريفات المتداولة أن النظام الرجعي والدكتاتوري هو نتاج أزمة فكرية ومجتمعية ، وبالتالي لتصريف أزمته يلجأ لافتعال بطولات وهمية وانجازات خيالية للحصول على كميات  أوفر من الأكسجين الضروري للحياة  . لكن الغير مفهوم على الإطلاق أن يفتح المجال للتكسب السياسي في مواجهة النقد البناء تحت مسميات حماية الثورة والحفاظ على الوحدة الوطنية ، أو تحت أعذار ( ليس بالإمكان أبدع مما كان ) ، و كل نقد الآن يصب في صالح العدو ، وكل الاختلافات والأخطاء والانحرافات مؤجل النظر فيها إلى ما بعد ربح المعركة الأساسية ، ما يوحي أن المعارك الأخرى معارك ثانوية . تاريخ الثورات عبر العالم يكشف عن انتصارها دوما للصراحة السياسية ، وللمكاشفة السياسية ، ولاشتغالها وفي ظروف أصعب من الظروف التي تجتازها ثورتنا الصحراوية على وضع آليات لتدبير الاختلافات وتطوير الفعل النضالي وللإفادة من كل المسارات . لست في حاجة للتأكيد مرة أخرى أن الثورة بشكل ما هي الفوضى .. هي هدم كل أسس واقع ما تقليدا ني وعتيق ومتزمت، والبناء على أنقاضه واقعا جديدا متجددا  وعصريا ومنفتحا ووو...  ولا يمكن الحديث عن البناء بوسائل قديمة ، ووفق عقلية متزمتة تنتصر للمدح المجاني بدل النقد الهادف والبناء .. من غير المجدي الركون إلى تنميقات لفظية تتغنى بقيادة محكومة بتوازنات قبلية بدل أن تكون محكومة  بالقدرات والكفاءات الوطنية ... ومن المستحيل استيعاب أن ثورة يمكنها الاستعانة بالتكسب السياسي  ، وأن تلجأ إلى هذه الكائنات الغريبة التي تطلع علينا كل يوم بمقالات تكيل المدح وتوزع الألقاب وتدبج السيفيات مرددة ذاك الشعار المغربي البليد ( كولو العام زين )  . والعام كما يعلم الجميع مصاب بالجفاف وان علت في بعد صباحاته زغاريد نصر وسالت على حوا فيه دماء حارة . ولكن مع ذلك يظل السؤال المؤرق : لماذا تأخرنا في بلوغ  الحل النهائي ؟ الم يكن بإمكاننا لو لم  نشجع القبلية والزبونية والمحسوبية .. لو لم نغمض أعيننا عن الفساد والمفسدين .. الم يكن بإمكاننا أن نحصل على مبتغانا منذ سنوات ؟ أصحاب التكسب السياسي  يلبسون لكل حال لبوسها  ، وان اختلفوا في طرق وأشكال التعبير عن الولاء و( التحزار ) ، ومهما باعدت بينهم المسافات والأزمنة فهم متشابهون بل متطابقون فالسلطة عندهم مظلة تقيهم شر القادم من مفاجآت الدهر ، والحاكم ولي نعمة يخافون زوالها . ولكن تواجدهم بين ظهراني ثورة مازالت تناهض واقع الاحتلال وتسعى الى بناء الانسان يؤكد أن تحريفا خطيرا مس مبادئها ، وأن انحرافا عميقا ينخرها . هؤلاء المتكسبون الذين يعكرون صفو قراءة نقدية جماعية تروم التصحيح والإصلاح ، كائنات لم تقتحم علينا حدودنا ولكنها – والتعبير لنزار قباني- تسربت كالنمل من عيوبنا . عيوب من غير المعقول التغاضي عنها بل الملزم أن نجهر بها .. لن يفيدنا في شيء أن ننفخ أوداجنا بالريح دليل عظمة واهية ، ولن ينفعنا في شيء أن نطلق ريحا تزكم الأنوف وندعي أنها طيبة زكية  ، ولن نتقدم قيد أنملة  بصناعة أبطال من ورق يتصيدون لحظات تألق نضالي معد سلفا ، ولن نحقق النصر بكتبة يدسون أفكارهم المسمومة في عسل لغة رصينة ، أو يجيزون قبليتهم بمبرر الجهل والانتماء للارض تارة وتارة  أخرى بتحريف الحقائق عبر إلصاق مثلا ( الوحدات ) بمكون واحد في حين أن الأمر شمل كل مكونات المجتمع الصحراوي ولا داعي لذكر الأسماء لأننا نعتبر أولا أن الثورة  تجبل ما قبلها ، وثانيا لأن لكل مرحلة تاريخية قراءتها ينطبق ذلك  أيضا المنخرطين في صفوف الجيش الاسباني ، وعلى غيرهم ممن يمارس لحد الآن  في الشرطة والدرك المغربيين ، وفي مواقع صنع القرار السياسي الذي على أي لم يكن يوما في صالح الصحراويين المطالبين بالاستقلال .. فهل نسيء إلى البعض بوازع القرابة  وهل نفشي أن بعضهم كان في فرقة لعمارتي التي رمت الصحراويين من الطائرات .. نقول بكل روح نضالية أن النبش في هذا التاريخ لعب بالنار ومحاولات لتمزيق الجسد الصحراوي ككل بعد أن تم بنفس المبررات إلحاق أضرار كبيرة بالجسم الحقوقي والطلابي والإعلامي .. لذلك نكرر أن هذه الطلعات والخرجات  لأصحاب التكسب السياسي والتي تخضع لنظام التيليكوموند وراء كل ما يصيب  تجربنا النضالية من نكوص ومن تراجع .     أكيد أننا لن نستطيع بلوغ الحل ما لم نتحلى بشجاعة تسمية الأشياء بمسمياتها .. فنحن في حاجة ماسة إلى ثورة من داخل الثورة ، ونحن في حاجة إلى الحسم في أسس الدولة الوطنية بانتخاب  ( ولو عبر الانترنت بمنح كود خاص لكل المواطنين الصحراويين أينما تواجدوا ) مجلس تأسيسي لمراجعة دستور الجمهورية  بما يضمن مدنية الدولة الصحراوية واحترام التشريع الدولي وسموه على القوانين المحلية واحترام حقوق الإنسان وتجريم العبودية .. ونحن أيضا في حاجة ماسة إلى هيئات مجتمع مدني مستقلة، .وإعلام وطني مستقل ..  حتى يمكننا من الدخول الى نادي الدول الديمقراطية والقطع من الآن مع التكسب السياسي والابتزاز السياسي وغيرهما من الآفات التي تشوه وجه ثورتنا .    

كاتب المقال Unknown

حول كاتب المقال : قريبا
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم
التعليقات
0 التعليقات