» » » » » عادة النحيرة بزاوية أسا…دلالات تاريخية وروحية


حفظت المكانة الدينية و الأسطورية لأسا ولاء منقطع النظير في العلاقة بين الأهالي و بعض العادات و المناسبات التي تشهد عليها فضاءات ورحاب الزاوية, والتي من أهمها الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وكدا عادة النحر اللتان تحملنا في طياتها عمقا تاريخيا ودلالات عدة حاولت قبيلة أيتوسى الحفاظ عليها في علاقتها و روابطها بزاوية اعزى و يهدي رغم ما أصبح يشوب هده العادات من شوائب  أخدت تنأى بالرمزية الدينية و  القدسية التي ظلت تتميز بها. وهدا تزخر الذاكرة المحلية بروايات عدة حول بعض الأحداث و الأساطير التي يتداولها العامة و نسجتها خيالات من سبقوهم.
الإشعاع الديني لموسم أسا
رغم أهميته إلا أن تناول الدارسين له يكاد يكون معدوما اللهم ادا استثنينا بعض الإشارات العرضية التي لا تذكر شيئا عن البداية هدا الموسم, بيد أنه و على ما يبدو فقد ارتبط بتأسيس الزاوية ق 8ه/18م .على يد اعزى و يهدى كما تفيد هذه الإشارات أن تخليده إحياء لذكرى الشيخ المؤسس الذي صادفت وفاته عيد المولد النبوي الشريف . وما يعزز دلك أن الظرفية التاريخية أنداك عرفت تشجيع المرينيين للزوايا و المواسم الدينية وهو ما يجعل الموسم ضاربا في القدم بل من أقدم المواسم التجارية في المنطقة.
غير أن مصطفى ناعيمي يذهب من أبعد ذلك أي قبل تأسيس الزاوية حيث يرجعه للتاريخ القديم . عبر الربط بينه و بين الأنشطة التجارية التي أقامها الفينيقيون في إطار “السوق الاكيال” كما يضيف أحد الباحثين القلائل الدين تناولوا الموضوع وهو دوفرست الذي يربط بين الموسم  و الزاوية في حديثه عن كون أسا كانت تحتضن موسم دينيا و تجاريا لمدة ثلاث أيام يتم بالتزامن مع المولد النبوي الشريف و يستقطب التجار من مختلف المناطق المغرب و إفريقيا و الجزائر كما يتدفق عليه البدو الدين يشكل لهم الموسم المناسبة للتزود بما تحتاجه” الخيام و الفريك” لمدة طويلة في سياق تسمه البداوة و يتسم بقلة الضروريات التي توفرها الأسواق البعيدة جغرافيا و التي تشد إليها القوافل و تستغل في تسويق جزء من القطيع الغنم و الإبل لتوفير الموارد المائية الكفيلة باقتناء اللوازم كما اشتهر هدا الموسم على غرار باقي مواسم منطقة واد نون بكونه يكتسي صبغة تجارية و دينية في الآن نفسه وهو ما يتجسد دينيا في إحياء ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم عبر ما يتم تلاوته من آيات قرآنية و كدا قراءة بعض النصوص الدينية “الهمزية” “البردة” وكدا إعطاء المواعظ و تجاريا عبر احتضانه لمجموعة من التجار الدين توافدوا عليه لتسويق بضائعهم هدا ويبقى موسم كحافظ للذاكرة الجماعية للمنطقة نظرا لما تمثله من تراث مادي و شفوي تجسد في الخيام التي تنصب خلال أيام الاحتفال و كدا سباق الإبل و عادة النحيرة إلا أن التغيرات التي طرأت على هدا الحدث المهم وما أصبح يشوبه من فقرات للهرج و البهرجة التي أصبحا تضر بقيمة الحدث و دالك عبر إفراغه على نحو تدريجي من محتواه الثقافي و الديني و التجاري و كدا حمولته التاريخية و دالك بتحوله إلى مناسبة يغلب فيها طابع الفرجة و هو ما يستدعي ضرورة بحث في سبل بعثه من جديد و الحفاظ على طابعه الأصيل و المميز.
المولد النبوي عادة النحيرة بالزاوية
تعيش مدينة أسا 12 ربيع الثاني من كل سنة على إيقاع الأيام الدينية و التجارية لموسمها السنوي و الذي يصادف عيد المولد النبوي الشريف غير أن البعض يرى في عادة النحر و لاحتفال الذي يصاحبها ارتباطا بذكرى  وفاة شيخ الزاوية اعزى و يهدى حيث ما إن يحل التاريخ المذكور حتى تحج الوفود من بقاع شتى لتشهد المناسبة التي تشكل فرصة لاجتماع لأفراد قبيلة أيتوسى لمناقشة أمورها و علاقتها بالقبائل الأخرى التي تأتي العديد منها لمشاركة القبيلة احتفالها السنوي و دالك في إطار تحالفات قبلية إلى أن أهم ما يميز هدا الموسم هو مشهد نحر الناقة بحيث تلتئم و تجتمع الحشود لمشاهدته في مشهد مهيب يواكبه تلاوة بعض الأدعية و الصلاة على الرسول .
النحيرة /النحر طقوس و دلالات
ليس بدعا من القول أن العقائد الدائرة حول “بركة الاولياء” و قدرتهم الخفية أنتجت مسلكية الذبح عند الأضرحة و قد صور دولشبيل هدا المشهد من واقع معاينته حيث قال “من يريد بركة الأولياء يدبج حيوان أمام الضريح و يقضي ليلته هناك”ورغم شيوع طقوس النحر و الذبح عند الأولياء فان المشهد الأكثر أهمية هو مشهد نحر الناقة قبالة زاوية أسا يوم عيد المولد النبوي الشريف و ليس النحر هو القرابة الوحيدة التي يتوسل إلى الله عبر وساطة الأولياء الراقدين بزاوية أسسا وإنما هناك طقس أخر يحرس الناس على عدم تفويته انه أداء صلاة المغرب ليلة عيد المولد بجوار الصلحاء حيث تخترق في هده المناسبة أعداد كبيرة من حجاج الشمال و الجنوب للصلاة في جوار صلحاء أسا و قد صور الضابط الفرنسي بيران مشهد نحر الناقة بجوار مقر زاوية أسا تصويرا جميلا حيث قال “من بعيد …من دخل القصر هناك موكب حزين يتجه ببطء نحونا…وفجأة انبثقت أو ظهرت من إحدى الأزقة جوقة من الناس ينشدون و يحثون ناقة بيضاء بإسراع الخطى (…)ومئات الأيادي تدفعها لتلج المكان المخصص النحر حيت تحلق الناس حولها اقترب سدان أو حارس الزاوية وهو يشحذ سكينا رديئا من الصنع المحلي عنت الوجوه و ترقبت و ساد نوع من الإثارة و الانتظار تم ادا بأيدي تكب رأس الناقة البيضاء و تمدها بالأرض حيث يبرز مساعد الناحر / حنجرة الناقة أو منحرها ليتمكن من نحرها بعد تلاوة بعض التعاويذ تم النحر و انسابت الدماء حتى كادت تبلغ أقدامنا ” هكذا نقل الضابط الفرنسي على عهد الحماية مشهد نحر الناقة و بوسعنا ألا نزيد على هدا التصوير الدقيق سوى أن نحاول قراءة المشهد قراءة تحليلية عسى أن نصل إلى بعض خلفياتة أسراره الكاملة
النحر بزاوية أسا قربة أو مجرد طقس احتفالي
من بين أظهر الطقوس و أبرزها نحر الناقة يوم عيد المولد قرب أعتاب الزاوية و قبالة الضريح موسسها الشيخ اعزى و يهدى و قد لا نتردد بالقول أن النحر ليس احتفاء بالمولد النبوي بقد ما هو تخليدا لذكرى الشيخ اعزى و يهدى الذي ينعقد الموسم في ذكرى وفاته و يشكل ملتقى لأتباعه كما أسلفنا الذكر و قد يثور التساؤل حول دلالة النحر هل هو قرابة و توسل إلى الله بالذبح و النحر عند أضرحة الأولياء الصالحين الدين تقع مدافنهم بالمقبرة المحاذية للزاوية أم هو مجرد طقس احتفالي ذا معاني و مقاصد اجتماعية  بالنظر إلى الدخل الذي ساد عقيدة العامة حينا  من الزمان حيث أضحى الذبح عن الأولياء قرابة عن بعض الجهلة يمكن القول بأن النحر عند أعتاب زاوية أسا يندرج ضمن هدا الإطار وان  كان مفهوم القرابة بمعناها التعبدي الفردي لا ينسحب تماما على هدا الطقس ذي الصبغة الشعبية ولدلك تبدو مظاهر الاحتفال و روحه بارزة فيه لدرجة أن الظاهرة برمتها تصلح مثالا لتطبيق منظور لبيستروس القائم علة اعتبار”النحر بكل معانيه طقس احتفالي لنقل العيد” و هنا ينبثق السوال الأتي ما مظاهر الطقس الاحتفالي في نحر ناكة الزاوية؟
تبدأ طقوس الاحتفال من لحظة سوق الناقة إلى المذبحة بإزاء الزاوية حيث يرافقها جمع من الناس يتلون بعض الأدعية و يصلون على الرسول علية السلام و قد تقدم وصف هدا الموكب المهيب في نصر مونتاي تم تتأكد مظاهر الاحتفال المنشود بالتقديس للتهافت بعض العامة على أخد شيء من دم الناقة و وبرها فما الذي يعنيه دلك من وجهة نظر ميتلوجية ؟ ادا تهافت بعض العامة على وبر الناقة فالآن” للوبر ضرب من التكريم بل القداسة” و استعماله في أعمال السحر و الشعوذة أما الدم فله في الديانات القديمة تقديس خاص فالتضحية بالدم رمز للتحالف و التضامن الاجتماعي أد أن انتقال شخص مثلا إلى قبيلة معينة يتم عبر الذبح (فلان ذبح على القبيلة الفلانية) كما أنه يدفع الشرط فيتم تقديم أضحية عند دخول البيت الجديد أو تقديمها قبل بنائه طلبا للبركة..واد ما وضعنا في الاعتبار التقديس الذي يحضا به الدم في الذهنية الأسطورية فهمنا لمدا يتم ربط الختان بيوم التضحية بالناقة كل ” عيد المولد بأسا”آدا يهب عددا من الناس إلا أخد فلذات أكبادهم إلى حيث تجرى عمليات الختان . أليس هدا الختان و النحر سيان من حيث ارتباطها بالتطهر و التقرب؟ أليست كل هده الطقوس مشتركة في دم يهرق؟ و بالنظر إلى أن للذبح / النحر” وظيفة طقوسية و متلوجية و عملية” فان الجانب المتولوجي للدم و الوبر من قبيل المقدس لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحجب الجانب الأعظم المتمثل في وظيفة النحر العملية المتمثلة في محو الفوارق و النزعات و وضع حد للعنف المتبادل ولا ينتابني شك في أن وظيفة النحر في زاوية أسا تتمثل في إرساء السلم الاجتماعي كوحدة القبائل التي تضع جانب خلافاتها و تقف صفا واحدا و على صعيد واحد يوم النحر الأعظم فهده الزاوية
شراء الناقة صورة للتضامن الاجتماعي
أوردنا سلفا أن زاوية أسا شكلت المحور الذي اجتمعت حوله القبيلة المنحدرة من أصول مختلفة وأنحاء مختلفة ولعل أهم صور هدا الالتحام تتمثل في الإجماع الذي لا يتطرق إليه خلافا حول ما يسمى محليا زيارة الزاوية و ليس المقصود بالزيارة مجرد العبور إلى المكان بل المقصود ما يحمل من الزاوية من “قربان” متمثل في “ناكة الزاوية” أي الناقة التي تنحر على أعتاب وقد أرسى الايتوسبون قاعد التناوب بشراء هده الناقة سنويا وقد كان التناوب قائما على الأتي :
1-ايت واعبأن-سنة
2-اداوبيا-سنة
3-ايت بوجمع-سنة
4-ايت ايدر-سنة
5-امغلاي-سنة
6-انفالييس-سنة-
7-اكوارير-سنة
8-اجواكين-سنة
9-اداومستر( أهل احمو علي- اهل بوجمع اومسعود-اهل مسيعيد أوسعيد) يشتركون في شراء الناقة
وقد كان العرف ساريا في إسناد مهمة النحر إلا درية الولي الصالح دادا يعقوب و لدالك غالبا ما يتكلف بالنحر شخص من أنفاليس غير أن هده العادة تغيرت وأضحت كل قبيلة تنتدب منها من يباشر بالنحر.
قسمة لحم الناقة-
تمثل لحم الناقة دليل واضحا جليا على الدور الاجتماعي و التكفل الذي تؤديه عملية النحر على ما فيها من مخلفات شرعية تتصل بحرمة الذبح للغير الله, وان كنا لا ننكر في إطار مجهودات الإصلاحية التي نالت منها الزاوية تم العمل على تصحيح نية الذبح عند الكثير من العامة فأصبح معلوما على القيمين على الزاوية أن النحر بهده المناسبة صدقة من الصدقات لا تختلف من حيث الجوهر القصد عن النحر الذي شهدته الزاوية في مناسبات متعددة خلال السنوات الأخيرة احتفالا بختم بعض طلبتها حفظ القران الكريم و بالمجمل فالطريقة التي كان يوزع بها لحم الناقة إبان الموسم برهان على التكافل و التضامن اد أن معظمه يتصدق به و تفيد الرويات الشفوية أن قسمة لحم الناقة كان يتم على الشكل الأتي :
4/1 (الربع) يطهى و يقدم للوافدين من الطلبة و غيرهم من الزوار الدين يحجون نحو أسا من مناطق تغجيجت و أسرير وافران الأطلس الصغير و اكسيل التي يقيم بها العديد من أهل اعزى و يهدى.
4/1(الربع) يعطى للفقهاء و الفقراء و المساكين.
2/1 ( النصف) يتم بيعه ويرجع ثمنه أو ريعه إلى صندوق الزاوية قصد استثماره في شراء بعض اللوازم لتغطية نفقاته.
لهدية الشرقي

كاتب المقال Unknown

حول كاتب المقال : قريبا
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

دع تعليقك