» » » قضية الصحراء الغربية.. مخاض الحل العسير !!!



     تعد قضية الصحراء الغربية من بين أهم المشاكل المعقدة التي تواجه الأمم المتحدة منذ وقت ليس بالقصير، فقد برمجت في لجنة تصفية الاستعمار الأممية سنة (1964 ) حيث كانت الصحراء الغربية  آنذاك تحت وصاية الاستعمار الإسباني، وثبت الموقف نفسه بعد احتلال المغرب لها في سنة (1975 ) بإرسال بعثة أممية لتقرير مصير الشعب الصحراوي ، ومع توالي السنين دخلت المنطقة – الصحراء الغربية وجنوب المغرب -  حرب استنزاف أواخر السبعينيات إلى حدود سنة( 1991 ) ، انتهت بتوقيع اتفاقية وقف إطلاق النار بين الطرفين برعاية أممية لأجل غير مسمى ، لتنتقل القضية بشكل رسمي من حكم البندقية إلى الأروقة الدبلوماسية بدءا بما يعرف بمخطط التسوية ألأممي  للقضية الذي لم يسلم بدوره من عراقيل كثيرة ناجمة عن تعنت الأطراف لمواقفها المتصلبة .
    يعتبر المغرب أن جبهة البوليساريو (وبدعم مباشر من الجزائر ) هي من تقف حجرة عثرة في طريق التوصل  إلى حل سياسي نهائي يرضي أطراف النزاع  يكون توافقيا يرعى مصالح الجميع لا غالب فيه ولا مغلوب وذلك من خلال تطبيق"حكم ذاتي في المناطق الصحراوية بمواصفات فريدة تراعي الخصوصية المغربية " ، وقد حدد المغرب موقفه في ضوء معنى الحل السياسي الذي يقدمه دائما ، على أنه حل وسط يتمثل في الحكم الذاتي ضمن إطار السيادة المغربية، وبالتالي ينتظر أن يسير السكان الصحراويون شؤونهم المحلية الخاصة مع الضمانات الكافية وبدون الإخلال بالامتيازات السيادية للمملكة المغربية وسيادتها الإقليمية ، وهو بذلك لن يتنازل أكثر من ذلك كما يُفهم من الخطب السياسية التي يغتنمها ملك البلاد محمد السادس للتذكير بموقف بلاده من تطورات القضية الصحراوية  " .  أما جبهة البوليساريو تنظر للمغرب من منظور الدولة المحتلة التي لا تعترف لها ولو دولة واحدة بالسيادة الكاملة على الصحراء الغربية ، و أفضل حل يمكن أن يكون توافقيا ومقبولا بالنسبة للصحراويين في الداخل والخارج هو" تطبيق استفتاء حر ونزيه يفضي في النهاية إلى تقرير المصير أو الانضمام للمغرب تماشيا مع الشرعية الدولية " ، فالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة اختصارا 'بالبوليساريو' لن تتنازل عن قطرة دم واحدة لشهدائها  وعلى رأسهم مفجر الثورة الوالي مصطفى السيد ، كما لن تقبل بالفتات بعد مرور أزيد من أربعة عقود ونيف من المعاناة واللجوء  ، وأفضل خيار لها هو تقرير المصير ينبثق من استفتاء عام 'للصحراويين الأصليين' ترعاه الأمم المتحدة   ".
   وفي خضم هذه  التصورات السياسية  العقيمة لكل من الطرفين المباشرين المغرب والبوليساريو منذ زمن ليس باليسير ، يظل الإنسان الصحراوي البسيط يعاني الشتات والفرقة والمحن  التي  دامت لأكثر من أربعين سنة ولازالت كذلك ، لنزاع يعتبر من أطول نزاعات العالم العربي والقارة السمراء، وهو نتاج مخلفات الاستعمار الأوروبي أكثر بكثير من كونه فصلا من فصول الحرب الباردة ، وإذا كان النزاع يعيش في هذه الآونة هدوءا عسكريا حذرا مؤقتا، فقد سجل من قبل  مواجهات حربية مشتعلة  دامت أكثر من خمسة عشر سنة ممتدة ما بين سنة  1975 إلى حدود سنة  1991، ترتب عنها مقتل عشرات الآلاف في صفوف المغاربة والصحراويين على حد سواء.
وعلى هذا الأساس لم يعد يجادل عاقل أنه بات على جميع الأطراف التحلي بضبط النفس لتكون أكثر إنتاجية وفاعلية بمنهجية جريئة وجديدة قصد معالجة المشكل العميق ، الأمر الذي يحتم على الجميع بذل المزيد من الجهود ذات القدرة الخلاقة لإعادة النظر في جملة من الأمور وعلى رأسها بلورة تصورات جديدة واضحة ومتكاملة مع تنازلات أكثر ،  تكون بدائل ناجحة بخلاف المبادرات السابقة التي أبانت عن فشلها لأنها لم تهتم بالعنصر البشري الصحراوي الذي شعر باللاجدوى والانكسار والدونية في الكثير من مراحل النزاع...
    وتماشيا مع هذا المنطق في التحليل يبقى التأكيد على أن أي تحول يحدث في مسار القضية الصحراوية لا يراعي مصلحة العنصر البشري بالدرجة الأولى ويجعله في صلب هذا التحول يكون مصيره الفشل ، فالحكم الذاتي والاستفتاء من وجهة نظري المتواضعة مبادرات متجاوزة ،  ولم تأتي سوى بتعميق الفجوة الكائنة بين الأطراف ، فالمغرب اليوم يحاول تنزيل الحكم الذاتي قسرا على الصحراء الغربية بدءا بما يعرف جهوية موسعة تساعد على تخفيف الضغط عن المركز وتكون صورة مصغرة لحكم ذاتي مع السيادة المطلقة للدولة  المغربية ، متناسيين أن هذه الجهات الثلاث ليست مستعدة بعد للدخول في غمار الجهوية الموسعة لعدة اعتبارات يعرفها الساسة المغاربة أنفسهم وواثقون منها ، ويعلمون حجم الهوة الكبيرة بين النظري والتطبيقي العملي الواقعي بالصحراء الغربية ، بحيث نجد إحصاءات تؤكد ضخ الملايير من الدراهم في الصحراء لتنميتها والواقع يبين أن الصحراء لازالت في العصور الوسطى إن لم نقل القديمة، فبين ماهو مسطر على الأوراق والواقع فرق شاسع  وبالتالي إسقاط الحكم الذاتي عموديا  لن يأتي بجديد في ظل الوعي المتنامي لساكنة الصحراء بحقوقهم السياسية والمدنية  والاقتصادية ، هذه الأخيرة أضحت  تطفو على السطح بين الفينة والأخرى تحت شعار " ثرواتنا كفيلة بتشغيلنا " وتعتبر اللاعب الاحتياطي بعد الحقوق السياسية المتمثلة في ضرورة احترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها أمميا،،،
    أما الجبهة الشعبية فهي تحاول وضع استراتيجيات تهم الوضع الداخلي بالصحراء الغربية عن طريق تبني محاور كبرى أفقية ومتوازنة في إطار حلقات متكاملة للتصدي للهيمنة المغربية والغطرسة الإمبريالية ، مستغلة في ذلك  من جهة سذاجة السلطات المغربية في التعاطي مع ملف حقوق الإنسان ، الشيء الذي قد يساهم مستقبلا في خلق آلية دولية لمراقبتها مما يساعد الصحراويين على  الإدلاء بآرائهم السياسية بكل حرية ، ومن جهة أخرى استغلال  الأوضاع الاجتماعية الهشة والصعبة لأبناء المنطقة وعلى رأسها معضلة البطالة التي تعصف بثلاثة  أجيال ولازالت في ارتفاع مستمر يوم عن يوم ، ثم الفقر المستشري في الساكنة، بالإضافة إلى إقصاء كوادر المنطقة  من المناصب السياسية الحساسة ، هذه العوامل مجتمعة  تعد تأشيرة دخول البوليساريو إلى قلوب الفئات المقصية في جميع الميادين بعد فقدانها الأمل في السياسات المغربية المفضوحة  التي جعلت جل الصحراويين خارج دائرة الوعي الفاعل وبالتالي امتلاكهم آليات ومفاتيح تسمح لهم بالولوج إلى الواقع من الباب الصحيح ، لتقتصر على دعم عائلات طحلبية تستمد قوتها من اقتصاد الريع لتكون سلطة فوق الشعب المنتهبة خيراته والمغتصبة إرادته  ، بعد ذلك تنتقل المطالب تلقائيا من الاجتماعية المحضة إلى المطالب السياسية التي غالبا تأتي تحت يافطة الاستقلال التام عبر تقرير المصير وهذا ما يخلق على الدوام مد وجزر بين المحتجين والسلطات الأمنية بالعيون ،الداخلة ، بجدور،  السمارة  وأسا الزاك  ، ثم سيدي إيفني ، وباقي المدن الصحراوية دون استثناء   . 
بين هذا وذاك مسافة شاسعة لم تقدر الدبلوماسية الأممية على تقليصها إلى اليوم، ولم تتضح بعد بوادر الحل العسير ونحن في سنة 2015 ، وكما يقال قضية الصحراء الغربية أزمة حل بين الأطراف والحل الأزمة الذي لم تتضح بعد معالمه، ولا أخفيكم سرا أن هكذا وضع للقضية في صالح العديد من الأطراف الذين يريدون بقاء الحال على ماهو عليه ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن هناك من يرغب في أن تستمر القضية الصحراوية بدون هوية في العلاقات الدولية الحديثة ملطخة بذيول عقلية عقيمة تنتمي إلى عهود عتيقة .
على هذا الأساس أدرك جميع المتتبعين أن حل مشكل الصحراء اليوم والذي عمر دهاليز الأمم المتحدة لأزيد من  40 سنة يعد صعبا إن لم نقل مستحيلا، كما يعد من النزاعات القليلة التي بقيت عالقة منذ الحرب الباردة، ولم يعد فقط من الصعوبة بمكان حله، بل أصبح مستحيلا وهذا ما استوعبته الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية والمنتظم الدولي ككل.
  فهل ستنتقل القضية من الفصل السادس إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة  وبالتالي فرض حل على الأطراف ؟ أم أنها ستستمر على ماهية عليه اليوم ؟.
الحسين الشركاوي
طالب باحث .

كاتب المقال Unknown

حول كاتب المقال : قريبا
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

دع تعليقك