» » » » الرحيل ... أسا










أسا بريس: د. شغالي حريش 


مدينة آيلة لل
      لاتكاد تسمع في هذه المدينة الوديعة، القاسية في برودها وفي حرارتها، والاكيد انها قاسية في حبها وكرهها، جنونها وعقلها، اجتماع على القساوة، لاتكاد تسمع الا عن فلان ذهب ورحل، وآخر يستعد للرحيل، وثالث يتحين الفرص، وقد يتطوع اكثر من سائل ليسألك ( متى سترحل، متى ستكون من الغابرين؟...الى اين؟ الى مكان أفضل، كل من يرحل يجد امكنة للسعادة).
 علاقة اسا بالهجرة ومرادفاتها، الرحلة الرحيل، الرحالة اقوى من اي علاقة اخرى، لان اسا  مدينة تقف على النقطة الفاصلة بالتدقيق بين الغبرة والحضور، بين الحضارة والبربرية،  اهل اسا في اغلبهم، امازيغ او عرب هم رحالة في الاصل، وهم لازالو كذلك، فاما ان يرحلو وراء مواشيهم، او لاغراضهم، او يرحلون في المدائن الاخرى لكنهم يعودون دائما، فالترحال ذهاب واياب، يعودون في مواسم معينة، يعودون ليروا اسا في  افضل حللها، في عيد المولود، ونحر الناقة، ثم يرحلون سريعا، تاركين غبارا كثيفا كأنما اتوا ليحضروا غزوة او  معركة يثار غبارها في يوم او بضع يوم، ثم يرحلون،

ليست الرحلة دائما اختيارية بل هي اجبارية، فتصبح الرحلة في حقيقتها ترحيلا، وهذا ما عاشه أهل اسا واهل الجزء الشمالي من الصحراء حيث رحلوا قصرا من جوف الصحراء الى شمال الصحراء، وهكذا اريد لهم في أن ينزحوا ليوضعوا على هامش وجغرافيا الصحراء، وهكذا بقيت قصة رحلتهم غفلا في قصص ذوي الخلفيات المطلبية الحقوقية، وما أكثرهم من ابناءها، وستبقى ذكرى ايكوفيون و"عام السفيرات" ذكرى فقط في أذهان من عاشوا مرارتها، وهي مرارة اصبحت رحمة مع ماسيزاحمها في عقد السبعينات من مآسي ستجعل اسا يفضلون في جزء كبير منهم الاستقرار الى جانب زاويتهم،  سيسكن الاحفاد الى جوار الاجداد،،، لكن يبدو أن صوت الاسلاف قويا كما هو صوت الاوهام و اضغاث الاحلام،
 ثم يعود جزء معتبر من اهل اسا ذات جمعة صائفة، غير ان هذه الزيارة تكون اقصر من سابقاتها، يعودون ليتوقفوا بضع ساعات وقد لايتوقفوا، يتوقفوا في وليمة سريعة مملوءة بالانتظار والترقب والتوجس، ليزوروا مقام مكتب الانتخاب بعد ان يكونوا قد حفظوا لون او رمز صاحب الوليمة، ومنهم من لايتوقف الا ليعود بعد لحظات..
  يعودون اذن لينصبوا امراء ومنتخبين لايعرفوا عنهم الان انهم كرماء جدا، الرحيل والرحالة حلفاء لمن يسوسون الشؤون العامة والخاصة،،،السياسة من ساس يسوس فرسا بمعنى يروضها ترويضا،،والسياسة كرم وعطاء، سبق لاحدهم بعد ان منعناه من اعطاء الرشوة في تجربة انتخابية خاسئة، أن وصفنا بالبخلاء الذين لايتكرمون على الخلق،،
لاهل اسا رحلة سنوية، بدأت محدودة ومستهجنة، لا لشئ سوى لانها ترفيهية، لكنها اصبحت عامة ومستهجنة،، رحلة الصيف، حيث يبادر القوم سراعا للرحيل بعد ان يباغتهم الصيف الحار والحار جدا، يرحلون خفافا وثقالا، ويلعنون اولئك الذين اختاروا السكنى بهذا الوادي الاجذب القار، يرحلون في سبيل البحث عن امكنة للمقيل بعيدا عن حر لعين،، وتصبح الارض خاوية الا من فقراءها وبعض ضيوفها، وممن فرض عليهم الوظيف المكوث الى حين، الصيف قدر الله، واهل اسا عقلاء يفرون من ، عفوا يرحلون، قدر الله الى قدر الله، ومنهم من يستقر به المكان في اقامته المؤقتة لتصبح دائمة او شبه دائمة، واكثرهم يعودون نادمين، على مبالغ اضيفت لديونهم، يعودون وهم يقسمون بجويمع الايمان ان هذا آخر عهدهم بالرحيل الى المصيف، يباد ر بعضهم لحساب خسارات اسا في الصيف، لكنها تبدو رحيمة مادامت مصاريف خاصة،،، لكن مشكلة اهل اسا انهم يغفلون عن الصيف منذ نسائم الخريف الاولى، كمن يريد لاشعوريا ان يتناسى عقدته، ولاتهم هذه المشكلة مادمت تشكل موردا سياسيا للساسة، فهم يتكرمون بسيارات النقل احيانا، وبكراطين معونة الدولة للفقراء الباقين والراحلين، لكن لايدخل في افق هؤلاء الساسة ان يسوسوا الصيف ولماذا يسوسونه مادام  يجعلهم حاكمين ومنتخبين للاشعب ولاناخبين، في اسا الصيف يستيقظ  فعلا اهل الامر نخبة وسلطة ليدبروا شؤون مدينة فارغة ، نحن لانستطيع ان نغير قدر الله، نفر من قدر الله، ولانتكيف معه، ليس من تفكيرنا ان السياسة هي فعل لاجتراح وابداع حلول للتكيف مع قدر الله، لتسخير الطبيعة لجعلها اكثر رحمة، الانسان دائما في مواجهة ظروف طبيعية قاسية، لكنه يتحداها، ويبدع حلولا تجرب  لتثقف وتشذب لتصبح اكثر ملائمة، متى سنبني سياستنا المحلية العامة على مواجهة الصيف، أم ترانا نتواطئ على تدمير مدينة بفسادنا السياسي وفعلنا الثقافي المثير للخجل، وبسكوتنا وجبننا، ثم إذا ما خربناها بايدينا رحلنا عنها،"وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا امثالكم"( الاية 38 سورة محمد).

كاتب المقال Unknown

حول كاتب المقال : قريبا
«
Next
رسالة أحدث
»
Previous
رسالة أقدم
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

دع تعليقك