أسابريس:
التقرير
أولا: السياقفي سياق قضية المتهمين الخمسة والعشرون (25) ، المتابعين بناء على صك الاتهام بما يلي: تكوين عصابة إجرامية والعنف في حق رجال القوة العمومية أثناء ممارستهم لمهامهم والمفضي إلى الموت بنية إحداثه، والمشاركة في التمثيل بجثة طبقا للفصول 294 و293 و271 و130 و129 من القانون الجنائي والفصل 7 من قانون العدل العسكري.
وذلك في علاقة بالأحداث ذات الصلة بفك مخيم اكديم ازيك صباح يوم 08 نونبر 2010، وهي القضية التي عرضت على أنظار المحكمة العسكرية بالرباط، على مدى عشرة أيام واستمرت من فاتح فبراير إلى غاية الساعات الأولى من صباح يوم الأحد 17 فبراير 2013.
وقد شكلت المنظمات الخمسة العاملة في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية وهي جمعية "عدالة" و"الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان" و"الهيئة المغربية لحقوق الإنسان" و"مركز التفكير الاستراتيجي والدفاع عن الديمقراطية" و"المرصد المغربي للحريات العامة"، فريقا، من ملاحظين وملاحظات واكب مختلف جلسات هذه المحاكمة، بهدف ملاحظة مجرياتها من زاوية مدى توفرها على ضمانات المحاكمة العادلة، والذي يتكون من محامين وجامعيين ونشطاء حقوقيين وهم: ذ. اسماعيل بلحاج، ذة. صوفيا غرابي، ذ. حسن السملالي، ذ. عبد اللطيف بومقيس، ذة. عائشة كلاع، ذ. الدح الرحموني، ذ. مولاي بوبكر الحمداني، ذ. سعيد خمري، ذ. أحمد أرحموش.
وفي هذا السياق تسجل الهيئات الخمسة قناعتها بخصوص كون ضمانات المحاكمة العادلة كما هي متعارف عليها دوليا ينبغي أن تغطي مختلف مراحل المحاكمة، مرحلة ما قبل المحاكمة وخلالها ومرحلة ما بعد إصدار الأحكام. وإذ حددت هذه الهيئات متابعة جلسات المحاكمة كموضوع للملاحظة ولتقريرها الأولي، فإنها تتطلع لأن تعود في تقرير تفصيلي يشمل ملاحظتها لباقي تلك المراحل.
ثانيا: بخصوص الموقف من المحكمة العسكرية:
إن الهيئات المجتمعة لملاحظة هذه المحاكمة تسجل بخصوص عرض هذه القضية أمام المحكمة العسكرية ما يلي:
بالرغم من اعتبارها ذات الاختصاص في النظر في هذه القضية من الزاوية القانونية استنادا لمقتضيات المادة 3 من قانون العدل العسكري، فإن نظام المحكمة العسكرية من الزاوية الحقوقية لا يتلاءم مع ما التزم به المغرب على مستوى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة 14 التي تجعل "الناس جميعا سواء أمام القضاء. ومن حق كل فرد لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوة مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون"، وهو ما لا يتلاءم مع ضمان الاستفادة من سبل الانتصاف بمختلف درجاتها المتاحة في القضاء العادي.
وهو الاتجاه الذي كرسه دستور فاتح يوليوز 2011، بتنصيصه في المادة 11 على مساواة المواطنين أمام القانون، بما يعنيه ذلك من إلغاء أي طابع استثنائي من شأنه أن يقوض مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون.
فسواء كان المحال عليها مدنيا أو عسكريا، فإنه لا يتمتع بالمساواة مع باقي المحالين على المحاكم الزجرية الأخرى ولو تعلق الأمر بنفس التهم. وهو الوضع الذي يمس بحقوق المتهمين حين لا يتاح لهم الإستئناف لمناقشة الأحكام التي أدانتهم ابتدائيا، كما يمس بحقوق الضحايا من خلال عدم تمكينهم من التنصيب كمطالبين بالحق المدني.
لذلك لا يمكن التمييز بين مدني وعسكري وبين الضحايا والمتهمين وبين حقوق المتقاضين عامة من محكمة لأخرى فيما يخوله القانون للجميع من ضمانات.
ثالثا: بخصوص علنية الجلسات:
سجل الملاحظون بخصوص علنية الجلسات ما يلي:
• حرص رئيس المحكمة على التذكير بمبدأ علنية المحاكمة وقرينة البراءة أثناء كل مراحلها من الاستماع والمناقشات والمرافعات بحضور المعنيين من متهمين وعائلاتهم وعائلات الضحايا، إضافة إلى الإعلاميين والمراقبين من منظمات وطنية محلية ودولية وجامعيين؛
• لم يثر أي طعن من طرف الدفاع بشأن علنية الجلسات باستثناء ما اثاره هذا الأخير بخصوص ولوج جميع أفراد عائلات المتهمين إلى قاعة الجلسات، حيث كانت هذه العائلات قد اشترطت ولوج جميع من حضر من أفراد عائلات وأقارب وأصدقاء المتهمين، وتم تخصيص 30 فردا، لكل طرف من الأطراف ذات الصلة بالملف من عائلات المتهمين وعائلات الضحايا.
وقد تمكن من الحضور خلال الجلسة الأولى لليوم الأول 01 فبراير 2013 للمحاكمة كل من:
42 من عائلات المتهمين، كما لوحظ تقلص عددهم في الجلسات الموالية، وعند استطلاع رأيهم، تبين بأن مبرر ذلك هو الموقف من محاكمة تقديم متهمين مدنيين أمام المحكمة العسكرية؛
25 عن عائلات الضحايا؛
تمثيليات دبلوماسية (سويسرية، بريطانية، إسبانية، أمريكية وكندية...)
وسائل إعلام وطنية ودولية سمعية وبصرية وصحافة مكتوبة ومرئية وإلكترونية، مستقلة وحزبية وشبه رسمية؛
ملاحظون من جمعيات دولية ووطنية؛
محامون مغاربة وأجانب وجامعيون.
رابعا: بخصوص حقوق الدفاع:
بناء على تواتر مختلف الآراء ذات الصلة، لعضوات وأعضاء الفريق المنتدب لمراقبة المحاكمة على مستوى حقوق الدفاع يمكن تسجيل ما يلي:
• تجاوب رئيس هيئة المحكمة مع هيئة الدفاع في جزء كبير من دفوعاتها وأسئلتها الموجهة للمتهمين والشهود، وعدم المقاطعة بدون مبرر، أو تحديد وقت للمرافعة، كما تم تمتيع الدفاع بحق الرد على كل الدفوعات والوسائل التي تقدم بها وكيل الملك؛
• الاستجابة لطلب الدفاع المتعلق بإستدعاء خمسة (5) من شهود النفي للاستماع إليهم، مقابل تسعة (9) من شهود الإثبات الذين طالبت بهم النيابة العامة، وقد تم الاكتفاء بالاستماع إلى واحد فقط من شهود الاثبات.
• قبول إحضار المحجوز.
• إمكانية تواصل الدفاع مع المتهمين خلال الجلسات.
• قبول رئيس المحكمة عامة لأسئلة الدفاع ورفضها في بعض الحالات.
• عدم اعتراض النيابة العامة على طلبات الدفاع بشأن إحضار المحجوز، واستدعاء الشهود، وعدم مطالبتها بإنزال عقوبات محددة.
بينما لم تستجب المحكمة لما يلي:
• الدفع بعدم الاختصاص؛
• الدفوع الأساسية المتعلقة بعرض المتهمين على الخبرة الطبية للوقوف على حقيقة الادعاءات المتعلقة بتعرضهم للتعذيب و4 منهم لهتك العرض، وبرفع البصمات على المحجوز.
• طلب استدعاء بعض الشهود (مسؤولون رسميون ونائبة برلمانية) الذين تقدم بهم دفاع المتهمين.
أما بالنسبة للمتهمين فقد لوحظ ما يلي:
• دخول المتهمين المحكمة بدون أصفاد إعمالا للمادة 84 من مدونة العدل العسكري، ورفعهم لشعارات سياسية تطالب بتقرير المصير؛
• تمكين المتهمين من التعبير بحرية عن آرائهم أثناء الاستماع إليهم؛
• لم يفرض الرئيس على المتهمين أثناء الاستماع إليهم أن يجيبوا فقط بنعم أو لا، بل كان يمكنهم من كل الوقت لبسط أوجه دفاعهم، حيث استغرق ترافع البعض منهم أزيد من 5 ساعات؛
• عدم مقاطعة رئيس المحكمة للمتهمين على العموم.
• بالرغم من كون مقتضيات الفصل 97 من قانون العدل العسكري تلزم رئيس الجلسة بأن يعلن عن الاسئلة التي ستلقى على القضاة والناتجة عن رسم الاتهام وعن المرافعات، و عند إعلان رئيس المحكمة الشروع في جرد الأسئلة المتعلقة بكل متهم من المتهمين 25، والتي على أساسها يتم الحكم، وبعد تقديمه للأسئلة بخصوص خمسة (5) متهمين، انتصب الدفاع مطالبا الرئيس بالاكتفاء بما أعلنه من أسئلة وعدم الاسترسال في سردها كما يلزمه بذلك الفصل المشار إليه أعلاه، وهو ما تمت الاستجابة إليه.
خامسا: بخصوص تدبير الجلسات:
تتقاطع مختلف الملاحظات بشأن تدبير الجلسات حول ما يلي:
• ضبط رئيس المحكمة لنظام تسيير الجلسات وإبدائه مرونة وتعاملا لائقا مع المتهمين وهيئة الدفاع؛
• تأكيده المستمر وخلال كل الجلسات على بعض الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة ولاسيما قرينة البراءة وعلنية الجلسات؛
• توفير الترجمة لمتابعة الجلسات من اللغة العربية إلى اللهجة الحسانية واللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية؛
• حرص الرئيس أثناء إصابة بعض المتهمين داخل القاعة بوعكة صحية على نقلهم للمستشفى وتلقيهم العلاجات اللازمة وموافقته على توفير مدة الراحة التي أمر بها الطبيب لأحدهم، وتمكينهم من الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب المعالج؛
• حرصه على تخصيص مدة كافية للاستراحة وتمكين المتهمين من حقهم في التغذية.
سادسا: بخصوص الأجواء المرافقة للمحاكمة:
من خلال مختلف الإفادات ذات الصلة بالأجواء المرافقة للمحاكمة، وانطلاقا من تقاطع شهادات ملاحظين تابعوا هذه الأجواء من خارج المحاكمة وبموازاتها منذ فاتح فبراير إلى صباح 17 فبراير 2013، نسجل ما يلي:
1. بخصوص الساحة المقابلة للمحكمة العسكرية:
• تواجد أمني مكثف بجوار المحكمة العسكرية بالرباط على امتداد العشرة أيام من المحاكمة؛
• تواجد لعائلات المتهمين وعائلات الضحايا بالساحة المقابلة للمحكمة عبر الآليات التي أحدثوها في علاقة بالموضوع وهي:
بالنسبة للمتهمين: لجنة عائلات المعتقلين الصحراويين، مجموعة اكديم إيزيك.
بالنسبة للضحايا : تنسيقية عائلات وأصدقاء ضحايا أحداث اكديم إيزيك.
وقد لوحظ تظاهر الجانبين بشكل سلمي ومن دون تضييق، ورفعهما لشعارات ذات بعد حقوقي وقانوني وسياسي، وقد شكل الأمن حاجزا لمنع الاصطدام بين الطرفين، وبغض النظر عن تواجد عناصر يبدو أن لا علاقة لها بأسر الضحايا وعائلاتهم ومحيطهم، كانت تشوش على الجو العام لهذه الوقفات، نسجل مستوى نضج بعض النشطاء الحقوقيين من الجهتين في التواصل مع الجميع.
2. بخصوص الإعلام:
لوحظ من خلال تتبع بعض وسائل الإعلام العمومية والشبه العمومية الوطنية في تغطيتها للمحاكمة، عدم مهنيتها وعدم توخيها الحياد سواء على مستوى نقل الصور، حيث تم الاكتفاء ببث صور لعائلات الضحايا، وإعطاء الكلمة لممثليهم، في مقابل تغييب مطلق للصور المتصلة بعائلات المتهمين وممثليهم.
وكذلك على مستوى التغطيات والدعامات المرافقة للمحاكمة، التي لم تحترم قرينة البراءة، كما تم بثر مضمون بعض التصريحات بخصوص الطابع الاستثنائي للمحكمة العسكرية، والاكتفاء فقط بما يتصل باحترام المحاكمة لإجراءات المحاكمة العادلة خلال الجلسات.
في مقابل ذلك اتسم عمل بعض المواقع الإلكترونية المؤازرة للمتهمين عامة، بعدم الحياد أيضا في ما نقلته وبثته من مواد ذات صلة بالمحاكمة، وخاصة في ما يتعلق بالإجراءات الامنية المرافقة لنقل المتهمين عند انتهاء كل جلسة من جلسات المحاكمة، وربطها بتعليقات مفادها التضييق على عائلات المتهمين.
3. بخصوص الملاحظين:
بقدر ما تم تسجيل حرية الملاحظين في التحرك –بدون مضايقات- وفي ملاقاة ومقابلة من يروه مناسبا لاستفساره أو الحديث معه في الموضوع، بقدر ما نعتبر أن مبدأ الحياد والاستقلالية في عمل وأداء الملاحظين شكل تحديا ملموسا خلال متابعة مختلف أطوار هذه المحاكمة، حيث سجل على بعض الملاحظين في الاتجاهين انزياحهم عن الأدوار المنوطة بهم، وذلك من خلال ما يلي:
• الخلط الحاصل بين دور التضامن مع المتهمين وبين ما يتطلبه دور الملاحظين من مسافة معقولة مع مختلف الأطراف ذات الصلة بالملف؛
• الانزلاق من مهمة ملاحظة أطوار المحاكمة بالنسبة لبعض الملاحظين إلى مناقشتها واتخاذ موقف ضدها أو لصالحها قبل استنفاذ جلساتها عبر تصريحات ومواقف للإعلام والصحافة، وملاحظاتهم حول سير المحاكمة قبل النطق بالحكم.
الرباط في 25 فبراير 2013