أسا بريس : الحسين الشركاوي
يلعب الاقتصاد دورا مفصليا في معادلة النزاع حول الصحراء ، ذلك أن الاستمرار في استحواذ أقلية من المستفيدين على منابع الثروات في المنطقة على حساب الأغلبية المهمشة من الساكنة الصحراوية ،الأولى "الأقلية البورجوازية" اغتنت بطرق غير مشروعة ومفضوحة ، مما خلق نوع من انعدام الثقة في توجهات السلطات الوصية نتج عن ذلك حالات احتقان اجتماعي من طرف "الأكثرية المسحوقة" تحت عباءة المطالب السياسية ، ستعصف بالمغرب للمجهول في القادم من الأيام .
إن توجهات ومخططات الدولة في تفقير الفقير واغناء الغني بالصحراء الغربية المتنازع بشأنها ، من شأنه أن يحد من فاعلية التوجه نحو الانفتاح على طاقات المجتمع ويجعل ممارسة السلطة والوصول إلى مصادرها رهين في أيدي أصحاب الإمكانيات المالية ، القادرين على استمالة أصوات الناخبين ، وصناعة التحالفات وتشكيل الخرائط السياسية على المقاس لخدمة أجندتهم الخاصة وتمرير سياسات الدولة التي تنبني على المحور الأمني لا التنموي الاقتصادي.
ولذلك ، فإنه يحسن تشجيع المبادرة الحرة للمقاولين الشباب الجدد ، وتحصينها بضمانات قانونية قادرة على حمايتها من المنافسة الشرسة ومن محاولات الاحتواء التي تعد أسلوبا رائجا وورقة رابحة لدى هذا الفصيل أو ذاك ، وفي هذا الباب يمكن الحديث عن "سلطة اقتصادية" يمكن ممارستها للضرب، بقوة، على أيدي المضاربين والسماسرة ، الذين يتاجرون في كل شيء ، دون حسيب أو رقيب .
ولعل الثروات التي تمت مراكمتها من قبل أشخاص معروفين لدى عامة الصحراويين(عائلات صحراوية معروفة) ، يمكن أن تشكل الدليل القاطع على حتمية إعادة النظر في الأسلوب الذي كان يتحكم في مقاربة ملف الصحراء انطلاقا من خلفية الحرص على جبر الخواطر وإرضاء النفوس لاستمالة "ناخبين محتملين"، لا يعلم إلا الله وحده ما يكنون وما يضمرون.
ولذلك فإن أي مقاربة تنموية تطلقها المؤسسات الحكومية أو وكالة تنمية وإنعاش الأقاليم الجنوبية أو كذلك الهيئات المنتخبة أو حتى ما سيأتي به المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من مبادرات تنموية جديدة ، سيكون مصيرها الفشل الحتمي ، إذا لم تتأسس على تأهيل العنصر البشري المحلي وتكوينه ليصبح قادرا على الإنتاج ومؤهلا للمساهمة في صيرورة النماء الاقتصادي والاجتماعي التي تشهدها المنطقة ، فضلا عن الحرص على إحداث آليات لمراقبة وتتبع طرق صرف الأموال المستثمرة في مختلف المشاريع.
أما على المستوى السياسي، فإنه من المهم أن يبادر المغرب إلى إعطاء إشارات عملية على الأرض تواكب الحركية التي خلقتها مبادرة التفاوض بشأن تمكين المنطقة من حكم ذاتي موسع ، من منطلق كونه دولة ذات سيادة دولية معترف بها ، يجب أن تتعزز بوضع الثقة الكاملة في جيل جديد من الأطر الصحراوية حاملي الشواهد العليا من مختلف المعاهد والجامعات المغربية والخارجية قصد إعادة الثقة المفقودة من خلال بلورة استراتيجيات فعالة تجعلهم في صلبها ، ويمكن أن تشكل نواة قوية لهيئات التسيير المحلية ، انسجاما مع مسلسل التحديث الذي يخوضه المغرب بخطوات ثابتة منذ أزيد من عقد من الزمن من خلال إطلاق إصلاحات جريئة في مختلف الميادين السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية لكنها تبقى غير كافية لحدود اللحظة في الربوع الصحراوية .
وعلاوة على ماسبق ولأجل السير قُدما في تكريس الانطباع الدولي الذي تمخض عن المبادرة المغربية ووصفها بالجدية وذات المصداقية في بداية الأمر ، ينبغي عدم طرحها والترويج لها بصفة اختزالية في الأخير ، سواء من طرف الدولة أو من طرف قادة الأحزاب السياسية ، وذلك بنعتها بالجهوية الموسعة أو الحديث عن تجربة نموذجية سيتم تعميمها لاحقا على مختلف الجهات...
وفي نفس الآن، يتعين استحضار حجم التحديات التي يمكن أن يطرحها موضوع التمثيلية في مؤسسات الحكم المحلي ، في إقليم الحكم الذاتي ، بين هذا المكون القبلي وذاك ، اعتبارا لمعايير الأحقية والانتماء المجالي ، وغيرها من النقاشات التي تم التداول بشأنها في جلسات سابقة للمجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية.
وفي هذا السياق، لا بد من الاستفادة من التجارب التي تم إعمالها على أساس احترام التعددية الثقافية والاثنية .. ففي الصحراء من البديهي أن يشتغل الساسة والمخططون على ضمان توازن حقيقي بين القبائل في مؤسسات الحكم المحلي ، استنادا إلى معايير الكفاءة والأحقية وليس بالاعتماد على معايير أخرى، غير ديمقراطية.
إن التعالي الحكومي بمنطق أن الصحراء ليست استثناءا إنما ينتج صراعا تتطور نتائجه و آثاره التي لابد أن ينتبهوا إليها و هي الخلخلة في المجتمع الصحراوي ككل سينتج عن ذلك بروز معارضين لتوجهات المغرب من الفئات الشابة التي تُكِن حقدا دفينا لدولة لم تحفظ كرامتهم في العيش الكريم أولاً واحترام خصوصياتهم ثانيًا ، وعليه فإن الإبتعاد عن حب الاستقواء في الميدان - الذي من شأنه خلق الهوة بين الدولة والمواطنين - أصبح ضروريا ولا مفر منه.
ووجب اتباع سياسة الحوار المستمر المتنور المنفتح القابل للأخذ و الرد و الذي لا ينطلق من قاعدة الغالب و المغلوب أو القوي و الضعيف، فالحوار ثم الحوار الحر والصادق ، لا قوي و لا ضعيف هو السر في إنجاح المشاريع والمبادرات بين الدولة والمواطنين الصحراويين..
_ الحسين الشركاوي : باحث في الدبلوماسية المغربية
يلعب الاقتصاد دورا مفصليا في معادلة النزاع حول الصحراء ، ذلك أن الاستمرار في استحواذ أقلية من المستفيدين على منابع الثروات في المنطقة على حساب الأغلبية المهمشة من الساكنة الصحراوية ،الأولى "الأقلية البورجوازية" اغتنت بطرق غير مشروعة ومفضوحة ، مما خلق نوع من انعدام الثقة في توجهات السلطات الوصية نتج عن ذلك حالات احتقان اجتماعي من طرف "الأكثرية المسحوقة" تحت عباءة المطالب السياسية ، ستعصف بالمغرب للمجهول في القادم من الأيام .
إن توجهات ومخططات الدولة في تفقير الفقير واغناء الغني بالصحراء الغربية المتنازع بشأنها ، من شأنه أن يحد من فاعلية التوجه نحو الانفتاح على طاقات المجتمع ويجعل ممارسة السلطة والوصول إلى مصادرها رهين في أيدي أصحاب الإمكانيات المالية ، القادرين على استمالة أصوات الناخبين ، وصناعة التحالفات وتشكيل الخرائط السياسية على المقاس لخدمة أجندتهم الخاصة وتمرير سياسات الدولة التي تنبني على المحور الأمني لا التنموي الاقتصادي.
ولذلك ، فإنه يحسن تشجيع المبادرة الحرة للمقاولين الشباب الجدد ، وتحصينها بضمانات قانونية قادرة على حمايتها من المنافسة الشرسة ومن محاولات الاحتواء التي تعد أسلوبا رائجا وورقة رابحة لدى هذا الفصيل أو ذاك ، وفي هذا الباب يمكن الحديث عن "سلطة اقتصادية" يمكن ممارستها للضرب، بقوة، على أيدي المضاربين والسماسرة ، الذين يتاجرون في كل شيء ، دون حسيب أو رقيب .
ولعل الثروات التي تمت مراكمتها من قبل أشخاص معروفين لدى عامة الصحراويين(عائلات صحراوية معروفة) ، يمكن أن تشكل الدليل القاطع على حتمية إعادة النظر في الأسلوب الذي كان يتحكم في مقاربة ملف الصحراء انطلاقا من خلفية الحرص على جبر الخواطر وإرضاء النفوس لاستمالة "ناخبين محتملين"، لا يعلم إلا الله وحده ما يكنون وما يضمرون.
ولذلك فإن أي مقاربة تنموية تطلقها المؤسسات الحكومية أو وكالة تنمية وإنعاش الأقاليم الجنوبية أو كذلك الهيئات المنتخبة أو حتى ما سيأتي به المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من مبادرات تنموية جديدة ، سيكون مصيرها الفشل الحتمي ، إذا لم تتأسس على تأهيل العنصر البشري المحلي وتكوينه ليصبح قادرا على الإنتاج ومؤهلا للمساهمة في صيرورة النماء الاقتصادي والاجتماعي التي تشهدها المنطقة ، فضلا عن الحرص على إحداث آليات لمراقبة وتتبع طرق صرف الأموال المستثمرة في مختلف المشاريع.
أما على المستوى السياسي، فإنه من المهم أن يبادر المغرب إلى إعطاء إشارات عملية على الأرض تواكب الحركية التي خلقتها مبادرة التفاوض بشأن تمكين المنطقة من حكم ذاتي موسع ، من منطلق كونه دولة ذات سيادة دولية معترف بها ، يجب أن تتعزز بوضع الثقة الكاملة في جيل جديد من الأطر الصحراوية حاملي الشواهد العليا من مختلف المعاهد والجامعات المغربية والخارجية قصد إعادة الثقة المفقودة من خلال بلورة استراتيجيات فعالة تجعلهم في صلبها ، ويمكن أن تشكل نواة قوية لهيئات التسيير المحلية ، انسجاما مع مسلسل التحديث الذي يخوضه المغرب بخطوات ثابتة منذ أزيد من عقد من الزمن من خلال إطلاق إصلاحات جريئة في مختلف الميادين السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية لكنها تبقى غير كافية لحدود اللحظة في الربوع الصحراوية .
وعلاوة على ماسبق ولأجل السير قُدما في تكريس الانطباع الدولي الذي تمخض عن المبادرة المغربية ووصفها بالجدية وذات المصداقية في بداية الأمر ، ينبغي عدم طرحها والترويج لها بصفة اختزالية في الأخير ، سواء من طرف الدولة أو من طرف قادة الأحزاب السياسية ، وذلك بنعتها بالجهوية الموسعة أو الحديث عن تجربة نموذجية سيتم تعميمها لاحقا على مختلف الجهات...
وفي نفس الآن، يتعين استحضار حجم التحديات التي يمكن أن يطرحها موضوع التمثيلية في مؤسسات الحكم المحلي ، في إقليم الحكم الذاتي ، بين هذا المكون القبلي وذاك ، اعتبارا لمعايير الأحقية والانتماء المجالي ، وغيرها من النقاشات التي تم التداول بشأنها في جلسات سابقة للمجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية.
وفي هذا السياق، لا بد من الاستفادة من التجارب التي تم إعمالها على أساس احترام التعددية الثقافية والاثنية .. ففي الصحراء من البديهي أن يشتغل الساسة والمخططون على ضمان توازن حقيقي بين القبائل في مؤسسات الحكم المحلي ، استنادا إلى معايير الكفاءة والأحقية وليس بالاعتماد على معايير أخرى، غير ديمقراطية.
إن التعالي الحكومي بمنطق أن الصحراء ليست استثناءا إنما ينتج صراعا تتطور نتائجه و آثاره التي لابد أن ينتبهوا إليها و هي الخلخلة في المجتمع الصحراوي ككل سينتج عن ذلك بروز معارضين لتوجهات المغرب من الفئات الشابة التي تُكِن حقدا دفينا لدولة لم تحفظ كرامتهم في العيش الكريم أولاً واحترام خصوصياتهم ثانيًا ، وعليه فإن الإبتعاد عن حب الاستقواء في الميدان - الذي من شأنه خلق الهوة بين الدولة والمواطنين - أصبح ضروريا ولا مفر منه.
ووجب اتباع سياسة الحوار المستمر المتنور المنفتح القابل للأخذ و الرد و الذي لا ينطلق من قاعدة الغالب و المغلوب أو القوي و الضعيف، فالحوار ثم الحوار الحر والصادق ، لا قوي و لا ضعيف هو السر في إنجاح المشاريع والمبادرات بين الدولة والمواطنين الصحراويين..
_ الحسين الشركاوي : باحث في الدبلوماسية المغربية