خلال دراستي القانونية التي امتدت زهاء 4 سنوات – و لازالت متواصلة- جعلني
ألاحظ أن المواطن البسيط يجد صعوبات في فهم المادة القانونية... ومن هنا جاءت هذه
الفكرة التي أسعى من خلالها إلى تبسيط هذا الجانب أكثر...
فلايخفى على أحد أهمية الثقافة القانونية في زمننا اليوم بعد
نزول مستوى الوازع الديني والأخلاقي لأدنى المستويات مما احتم معه ضرورة التسلح
بالحد الأدنى على الأقل من المعرفة في مجالات العلوم القانونية ليشكل لنفسه درعا
واقيا أمام صدمات المبدأ القائل " لا
يعذر أحد بجهله للقانون" .
في هذه
السلسلة من المواضيع أنا لا أزعم أنني سأخرج أستاذة قانون أو محامين،لكن وكما ذكرت
سابقا فإن الهدف هو نشر الوعي والثقاقة القانونية ،وسأتبع في ذلك منهجا مبسطا جدا
يبتعد عن المصطلحات القانونية الأكاديمية المعقدة التي تلقيناها في الجامعات
لكي يستوعب الفهم كل الشرائح من المجتمع
بدءا من الفئة التي لم يسبق له ولوج مقاعد الدراسة مرورا
بالطبقة المتوسطة معرفيا وصولا إلى الطبقة المثقفة في معارف أخرى و "
الكسولة" في الثقافة القانونية...أولى المشاركات ارتأيت أن تكون حول تجريم القانون للوشاية الكاذبة..
هي جريمة تشبه جريمة القذف و إن كان بينهما
أمور كثيرة مختلفة...تسمى الوشاية الكاذبة أو "التبركيك الكاذب"...و
البعض يطلق عليها تسمية البلاغ الكاذب .
وهذا يعني أن التبركيك الصحيح أو التبليغ عن
حدث او قضية إلى السلطات الأمنية فهوعمل مشروع ومحمود في نظر المعنيين بتسيير الشأن
العام.
و
جريمة الوشاية الكاذبة تعني قيام شخص ما بتقديم بلاغ معين ضد شخص آخر ، و اتهامه فيه
بارتكاب ما يستحق العقوبة...سواءا كانت عقوبة سجنية أو مالية......كل هذا مع علم الشخص
"البركاك" بأن ما سيقوله كاذب في كذب.....فهي مجرد مكيدة يحبكها هذا
الشخص بعناية للإيقاع بشخص ما.... " ما
حاملوش"
و لتحقق هذه الجريمة – أي الوشاية
الكاذبة" يشترط القانون أن يقوم المجرم بتبليغ سلطة إدارية أو قضائية بقصته
!....فلا يعد مثلا إبلاغ امرأة لامرأة
أخرى – في الحمام مثلا لأن الحمام غالبا ما يكون مكانا لتبادل الأخبار بين النساء-
بأن زوجها يخونها مع امرأة أخرى وشاية كاذبة...و لا إخبار أبي مثلا ......بأن إبنه
مراسل كليميم يتاجر في المخدرات أويعترض سبيل المارة وشاية أيضا...ففي هذه الحالات
ينبغي تبليغ الشرطة لتكون كذلك جريمة في نظر القانون ، كما يجب أن يكون البلاغ
كاذبا فعلا...فلو صح في المثال السابق أن ضبطت الشرطة رجلا متزوجا يخون زوجته
لقامت العدالة بمتابعته على أساس جريمة الزنا....و يصبح المبلغ هنا مواطنا صالحا
في نظر العدالة" وخيرت بيه"...إن لم نقل بطلا
!!!
و من هنا فعلى السلطة التي تلقت البلاغ
التأكد من كذبه لاتهام المجرم بالوشاية الكاذبة...و إذا لم تتأكد فعليها أن تتمنى
إعتراف المجرم بكذبه...
و باعتبار الوشاية الكاذبة مجرد تصفية حسابات
لتوريط الضحية...فيجب أن يقصد المجرم إلحاق الأذى بالضحية عند القيام
بالتبليغ........فإذا لم يقصد ذالك فلا تتحقق الجريمة...و يمنح القاضي سلطة تقدير
سوء النية من عدمه في العمل الذي قام به المبلغ ( المجرم )......و إن كنت أنا هنا
خلال دراستي للمسطرة الجنائية قد تبنيت الدعوة إلى سحب سلطة التقدير هذه للقاضي ، لأن القضاة
أنواع......و منهم من يشك حتى في أزرار بذلته......فكيف بالمتهم !!!........و قد
يقول قائل : ماهو البديل إذا تخلينا عن حنكة القاضي في تفسير النوايا؟؟؟
يعتقد بعض الفقهاء القانونيين أن الحل بسيط ........إنه إضافة شرط آخرلتحقق
الجريمة....و هو البحث في طبيعة العلاقة الموجودة بين الواشي و الضحية ....يعني
" واش بينهم شي حساب قديم ولا لا " و على أساس هذا البحث نستنتج حسن نية
المبلغ من عدمه..........لأن ترك التقدير بيد القاضي سيخيف الشخص العادي و يجعله
يمتنع عن مساعدة العدالة..........خوفا من لسعات نيرانها فيفضل الصمت على
المغامرة....و أية مغامرة؟؟؟
فجريمة الوشاية الكاذبة أشبه " بجمرة
حمراء مشتعلة" .فقد يكون دافع المبلغ هو مساعدة العدالة ، و لكن العدالة
نفسها قد تجعله في مأزق.....و تورده الجحيم من حيث أراد لها الرفعة.............خصوصا بأن القانون الجنائي المغربي في فصله 445 إعتبر جريمة الوشاية
الكاذبة جنحة ورتب عقوبة لها تتراوح بين 6 أشهر و 5 سنوات وغرامة من مائتين إلى
ألف درهم...
فيا أيها " البركاك" فكر ألف مرة
قبل أن تزج بك نيتك الحسنة في مساعدة السلطات إلى غياهب السجون..
خلاصة: لنجمل جميع المعطيات التي أوردناها بهذا
الخصوص نقول أنه لتحقق جريمة الوشاية
الكاذبة يجب ضرورة توافر العناصر التالية:
-
أن تكون هناك وشاية
-
أن تكون الوشاية كاذبة
-
أن تبلغ الوشاية لإحدى الجهات التي حددها
القانون ( السلطات المحلية والأمنية)